ختان الاناث في الميزان .. بقلم : د/ هويدا صلاح الدين العتباني

ختان الاناث في الميزان

بقلم : د/ هويدا صلاح الدين العتباني

الاخت العزيزة منى ابو العزايم بمناسبة خبر طبيب سوداني يعمل على الترويج لختان الإناث في مصر ، احب ان اوضح اننا كسودانيات نتبرأ من هذا الجرم ، بل قمنا بمجهودات واسعة لدرء تلك العادة الذميمة ، وعملنا حملة في مركز دراسات المرأة بالسودان عام 1997 تحت شعار (خلوها ) و اصدرنا مجلة كاملة خصصناها لتناول موضوع ختان الإناث .

و ربما تكون فرصة طيبة لإعادة نشر مقالي الذي كتبته في ذلك الوقت

منذ نهاية التسعينيات أصبحت قضية ختان الإناث تشغل حيزاً في الإعلام الغربي ، وغالبا ما يتخذ من السودان النموذج الأمثل لعرض تلك الممارسة البغيضة في أفلام توثيقية ، حيث أن إثارة الجدل في تلك القضايا هي المطلوب الأمثل لكسب أكبر عدد من المشاهدة ، والنتيجة أن تبادر للأذهان أن السودان ليس به إلا الحروب أو الفقر او العادات الضارة ، بدلا من عرض الوجه المشرق و التاريخ المشرف الممتد إلى ما قبل الميلاد لبلد عملاق .

ولا شك أن عادة ختان الإناث من العادات المتجذرة في المجتمع، ورغم الجهود التي بذلت فما زالت نسبة الممارسة عالية، و السبب في ذلك أن ختان الإناث من الممارسات التي تتأثر وتقع تحت وطأة ونفوذ الضغط الاجتماعي. والذي تتحكم فيه نظرة (التشيئ) للمرأة أي معاملتها كشئ وكجسد، وليس عقل وكيان له قيمة إنسانية.

إن المفهوم التاريخي والمصطلحي للختان يربط المرأة بقضية العفة والتي عادة ماتتخذ أشكالا مختلفة من الأساليب للخروج من بؤرة العار ، ولعل الوصمة stigma هي الأكثر شيوعا حيث التنابذ بالألفاظ الحادة للمرأة التي لم تخضع لعملية الختان.

ومن هنا تبرز التناقضات في التمسك بالختان الذي يرتبط بفرعون مصر رغم تدين المجتمع السوداني وتمسكه بالإسلام .

والغريب في الأمر أن النساء في السودان هن الأكثر تمسكا بتلك العادة رغم المعاناة والضرر الذي يقع عليهن والقسوة في الممارسة، .

و رغم أن المعاناة تقع على عاتق المرأة أولا وأخيراً و في جميع مراحل حياتها بدءاً بمرحلة الطفولة ومروراً بمرحلة الزواج وإنتهاءً بالوضوع ،

إلا أن إختلال المعادلة يكمن في إكتساب المرأة السلطة والنفوذ من واقع أن كل الاطراف المرتبطة بعملية الختان من النساء .

فالجدة هي صاحبة الوصاية إمرأة،
والأم صاحبة القرار إمرأة،
و الإبنة الطفلة المختونة(المجني عليها والضحية) إمرأة,
و القابلة (الجانية) إمرأة،

و غالباً ما يلعب الطرف الاخر للمعادلة والذي يمثل الرجل دوراً سالباً ضعيفاً فلا كلمة له أو قرار ولا تدخل بالرفض أو المنع ، و باعتبار أن الأمر شأناً نسوياً خالصاً فلا يجرؤ إلا التسليم والإستسلام للسلطة العليا التي تحكمها المرأة .

ومهما يكن من أمر فإن أسوأ الاجراءات المقترحة للحفاظ على عفة المرأة هي قطع جزء من جسدها بتشويه عضوها التناسلي وهو ما يعبر عنه عالميا
‏Female Genital Mutilation
اختصارا FGM

و طالما ثبت علمياً أن ختان الإناث يختلف صحياً عن ختان الذكور فقد ثبت بالتالي أنها فعلا تشويه وتغيير لخلق الله سبحانه وتعالى . ويبقي هنا من الأهمية بمكان البحث عن الرأي الفقهي كمرجعيّة لتحليل أو منع تلك الممارسة ، لا سيما بعد ظهور ما يعرف بالختان الشرعي .

تجدر الإشارة إلى أنه لم ترد أية أدلة تبيح ختان الإناث في القرآن الكريم. وأما الأحاديث التي يتم تداولها عن ختان الإناث فتنحصر في أربعة أحاديث وذلك كما يلي :
أولاً احاديث ضعيفة الإسناد.
الحديث الاول والأكثر شيوعا هو حديث أم عطية الأنصارية (أن إمرأة كانت تختن بالمدينة وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (أخفضي ولا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للرجل).
والحديث الثاني هو (الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء).
ثانيا أحاديث صحيحة
وغالبا ما يستند إلى تلك الأحاديث أصحاب الرأي الذي يدعوا إلى (الختان الشرعي )
وهما حديثان :
الحديث الأول (إذا التقى الختانان وجب الغسل)
و المناسبة التى ذكر فيها الحديث أو الغرض منه ليس له علاقة بالختان البتة، وإنما ورد الحديث فى باب الطهارة والغسل، ولم يرد فى الخصال المتعلقة بالآداب وخصال الفطرة. إضافة إلى ذلك ليس من وجوب الغسل أن يكون العضوان مختونين معا أو أحدهما، والسؤال : ماذا لو لم يكن في الأصل الرجل مختونا أو المرأة مختونة؟، هل مفهوم ظاهر الحديث في هذه الحالة يسقط منهما الغسل ؟.

أو بعبارة آخرى وجوب الغسل لايشترط وجود عضوان مختونان. ومن جانب آخر فإن كلمة(ختانان) الواردة في الحديث من باب تشبه الشيئين أو الأمرين بأسم الأشهر منهما.

وهو باب يعرف فى اللغة باسم(التغليب) وهو من أساليب العرب البلاغية، فيقال مثلا العمران ويقصد بها أبوبكر وعمر لأن عمر أسهل نطقا، أو يقال الأبوان ويقصد به الأب والأم، أو يقال البحران والبحرين (مرج البحرين يلتقيان) ويقصد بها في بعض التفاسير النهر العذب والبحر المالح ، وعليه فان الختانان الواردة في الحديث إشارة إلى العضوان ولا علاقة له بالختان .

الحديث الثاني : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (الفطرة خمس : الختان والإستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر ، ونتف الابط). والظاهر أن الحديث خاص بالرجل وليس المرأة لوجود الشارب عند الرجل ، و كنوع من الطهارة يستحسن قصه و حفه (حفوا الشوارب و أعفوا اللحي ) . وعليه يخرج الحديثان الصحيحين من دائرة تشريع الختان أو ما أسموه (الختان الشرعى).

و طالما ان ممارسة عادة الختان أصبحت عادة متجذرة في المجتمع ، فان المدخل الأساسي الذي ينطلق منه الحوار المجتمعي هو الاعتراف بأن عدم ممارسة عادة ختان الاناث لاتدخل فى باب التحريم أو الكراهة، فكل من يختار عدم الممارسة هو حر ولايرتكب إثما أو ذنبا.

و خلاصة الأمر لن يتسنى للمرأة النجاح إلا بالجهد والاجتهاد فى قضية من أهم القضايا التي تخصها وتعنيها شخصيا في المقام الاول ، وعليه يجب التأكيد على الآتي :

أولا أن نبذ تلك العادة الضارة بالاستمساك بالقيم و المبادئ الدينية والأخلاقية الرفيعة، والدعوة لغرسها بنشر الوعي الاجتماعي عبر الوسائل المختلفة .

ثانيا يمثل الإعلام أقوى الوسائل في الدعوة للقضاء على ممارسة عادة الختان عن طريق إبراز الضرر الصحي و الاجتماعي و الاقتصادي .

ثالثاً تكريس منظمات المجتمع المدني كل الوسائل الترويجية والتوعوية في منع العادات الضارة.

رابعا إصدار القوانين الرادعة لممارسة أي انتهاك للطفولة .

مقالات ذات صلة