مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني : هل يصلح اهل الإذاعة لإدارة التلفزيون

في العام ١٩٦٠ م كانت المعركة الانتخابية على اشدها بالولايات المتحدة الأمريكية، بين المرشح عن الحزب الجمهوري نائب الرئيس الأمريكي في ذلك الحين الداهية نيكسون والمرشح عن الحزب الديمقراطي الشاب الوسيم الأنيق جون كينيدي ، وعقدت المناظرة الأولى عبر الراديو ووقتها كان للإذاعة القها وتوهجهها وانتشارها الواسع ، فاجهزة الراديو منتشرة في كل مكان بالمكاتب الحكومية والأسواق والمقاهي والمطاعم والفنادق والحدائق العامة وتحمل في السيارات الصغيرة والشاحنات وغيرها من الأماكن ، المناظرات التي بثت عبر أثير الإذاعة بين المرشحين للسباق نحو البيت الأبيض نيكسون و كينيدي، برع خلالها نيكسون وتفوق على الشاب جون كينيدي إذ ان نيكسون ظهر خلال المناظرات حاضرا البديهة وخطيبا مفوها ومستوعبا لكل الأحداث وملما بكل التحديات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية ، في حين عجز خصمه جون كينيدي عن مجاراته ، وبعدها خرجت استطلاعات الرأي في صالح مرشح الحزب الجمهوري ريتشارد نيكسون ، الا انه وبعد تنظيم أربعة مناظرات تلفزيونية بينهما في سبتمبر من العام ١٩٦٠ م فاز في الاستطلاعات جون كينيدي ، إذ كسب المناظرات الأربعة بعد تفوقه من خلال الشاشة على ريتشارد نيكسون وقد مهدت له المناظرات التلفزيونية الطريق للفوز بالانتخابات وتقول بعض الروايات أن معظم الأصوات النسائية قد ذهبت إلى الوسيم كينيدي الذي اهتم كثيرا بشكله واستعان بخبراء في المكياج واللبس .
من واقع ذلك يتضح لنا ان العمل الإذاعي يختلف عن التلفزيوني وان كان يجمع بينهما كثير تشابه وتداخل ، الا ان للشاشة السحرية بريقها وجاذبيتها وتميزها عن الإذاعة ، كما أن إدارة العمل الإذاعي اي محطات الراديو تختلف عن إدارة القناة التلفزيونية، وهذا مايطرح عدة تساؤلات !

هل يصلح الإذاعي ان يتحول إلى نجم شاشة؟
وهل يمكن للاذاعي الذي برع في إدارة محطات الراديو هل بإمكانه إدارة المحطة التلفزيونية ؟
فالقناة الفضائية لها زخمها وتعقيداتها وتضم جيوش بشرية من عاملين وفنيين مخرجين ومذيعين ومذيعات ، تختلف عن الإذاعة التي لاتحتاج لتلك الاعداد المهولة من البشر.

وهل يمكن للإذاعي الذي يتحول فجأة إلى مدير قناة فضائية ، هل يستطيع الموازنه مابين العمل الإداري والاجتماعي داخل المحطة التلفزيونية ، بكون ان القناة الفضائية لاتخلو من الاحتكاكات المؤامرات و التنافس المؤذي وبعض أمراض النفس الإنسانية من حسد وغيرة وغيرها .

ونشير الي ان بعض الشواهد بالسودان قد أكدت فشل عدد غير قليل من الاذاعيين الذين برعوا في العمل الإذاعي ولكن حينما واجهوا الشاشة السحرية ارتبكوا َوغابت عنهم الفصاحة و البلاغة والعفوية والاريحية التي كانوا يجدونها في العمل الإذاعي ونذكر منهم مثالا ابناء عبدالكريم عبدالله وهما ثنائي إذاعي من أفضل الأصوات باذاعة ام درمان ولكن حينما قررت الفضائية السودانية الاستعانة باحدهما كمذيع ومقدم برامج لم يكن اداؤه بارعا ولم يجد القبول لدي المشاهد َسرعان ماعاد الي عرينه ومكان تميزه وتالقه ، الأمر الذي يؤكد ان البعض لديهم مواهب وقدرات كبيرة وقبول في العمل الإذاعي ، بيد ان الشاشة السحرية ليست مكانهم .

وعطفا على واقعة الخبير الاذاعي الرائع الاستاذ ابراهيم البزعي مع المذيعة البجاوية زينب ايرا والتي أوقفت قلوب كثير من أفراد الشعب السوداني مخافة ان تتطور تلك الواقعة الي حدث سياسي وامني وعسكري فيحول بورتسودان الي مدني أخرى ونعلم ان النار من مستصغر الشرر.

بحمد الله ولطفه بنا أن الحادثة قد مرت بسلام ، ولاشك ان حكمة وهدوء والي ولاية البحر الأحمر وبعض عقلاء الثغر قد لعبت دورا واضحا في إطفاء الحريق .

ولا أود الخوض في تفاصيل ماحدث ولوم المذيعة التي استغلت الحادثة او لوم الاستاذ القدير البزعي والذي ربما لم يفهم تعقيدات الملف الاجتماعي والامني بالبحر الأحمر وربما لم يستطع الموازنة مابين إدارة العمل الإذاعي والتلفزيوني بسبب صعوبة إدارة القنوات الفضائية عن إدارة المحطات الإذاعية.

نعم ان الرجل إذاعي متمكن وكذلك خبير في قضايا الثراث والتنوع بعد الشهرة الواسعة لبرنامجه الإذاعي الشهير (بليلة مباشر) ونعلم ان لديه محبة وقبول واسع من كافة قطاعات الشعب السوداني ، ولكن السؤال الذي يظل حاضرا هل الإذاعي ابراهيم البزعي هو الرجل المناسب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان لإدارة الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون ؟ خاصة وان هذه الهيئة تركز بدرجة كبيرة على جانب إدارة شئون شاشة الفضائية السودانية ، وهي القناة التي تتولى ملف إدارة المعركة الاعلامية الشرسة مع عدو شرس إعلاميا ومسنود من جهات دولية واقليمية توظف لصالحه مجموعة قنوات فضائية تمتلك إمكانيات هائلة .

مقالات ذات صلة