مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني : دموع عبدالسلام جلود
هزني بشدة، بل أنني قد شعرت بالعبرة تخنقني ، وتألمت وبكيت سرا
، تفاعلا مع بكاء الممثل الجميل خفيف الظل والدم عبدالسلام جلود عضو مجموعات الكوميديا السودانية واحد رواد البهجة و الضحكة العفوية ومن صناع الفرحة و الابتسامة على محيا الجمهور العريض بالسودان بكافة ألوانه وأشكاله ، فطوال ثلاثة عقود مضت من الزمان ظل عبدالسلام جلود واصدقائه من ظرفاء المدينة يقدمون الكوميديا في غالب جميل وخفيف ومهضوم. ومؤخرا ظهر الفنان عبدالسلام جلود في تسجيل مصور قصير وهو يحكي بحسرة والم عن وضعه الحالي داخل أحد معسكرات الإيواء بمدينة بورتسودان ، وخلال الفيديو بدأ عبدالسلام جلود شاحبا وحزينا وقد غالبته الدموع والعبرات، وهو يتحدث عن ذكرياته في عيد الأضحى وسط الاهل والشلة بالخرطوم وأم درمان ، ولم يستطع أن يكمل الحديث وهو يتحدث عن حالهم الان وأحوال معظم السودانيين و كيف كانت احتفالاتهم بالعيد الكبير وكيف هو الوضع الآن حيث حضرت اللحوم فقط بلا طعم ولارائحة بعد ان غابت الفرحة وغابت المظاهر الاجتماعية المرتبطة ارتباطا وثيقا بعيد الفداء لدى السودانيين.
كان جلود يتحدث بحزن عميق وقد رسم الزمن ملامحه على شعره ولحيته وشواربه وظهر ذلك الشاب الذي طالما أمتع الجمهور السوداني بقفشاته واسكيشاته الطريفة منذ بداية ظهور فرقة الهيلاهوب مع زملائه طارق الأمين وصالحين وفخري وآخرين ، ظهر بمظهر الشيخ الحزين المقهور من الزمن والأحداث ، ومنذ ظهوره الأول عرف عبدالسلام جلود بخفة ظله وعفويته وتلقائيته ، وظلت معظم أعماله وفقرات الكوميديا البيضاء والخضراء الضاحكة التي قدمها ، ظلت خالدة وباقية في وجدان الشعب السوداني (بابا يغسل العدة ) ونقناقة تنقنقي ، ولذلك حينما يرى الجمهور جلود الضاحك والهاش الباش ، يراه حزينا ويبكي بحسرة ، يدرك حقيقة عمق أزمتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها الان ، ونشير إلى أن الفرق الكوميدية أو دراما الكوميديا قد انتشرت منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي وشهدت قفزة كبيرة خلال التسعينات والألفية الجديدة ، وهي دراما هادفة كانت تخاطب قضايا السودانيين وهمومهم ، وبعد ثورة ديسمبر توقع البعض أن تنهض الدراما بشكل أفضل عما كانت عليه، ولكن بدلا عن ذلك تراجعت بل تلاشت ، بسبب تطور خطاب الكراهية والبغضاء الذي انتشر انتشار النار في الهشيم ، وقد كان ذلك لأسباب معروفة فمن تبنوه كانت لديهم مقاصد سياسية علنية واخري خفية بظن أنه سيساعد في تدمير وسحق الخصوم السياسيين ، ولكن تدهور كل شي في الوطن بسبب علو كعب خطاب الكراهية ورفض دستور متوافق عليه بين السودانيين جميعا ، وكان من الطبيعي أن تتراجع بل تختفي دراما الكوميديا ، وغابت معها قفشات وضحكات عبدالسلام جلود وصحبه وتحولت ضحكاتهم إلى دموع وحسرة، والمعروف أن بعض كتاب الدراما والمنتجين قد حاولوا القفز على تقاليد وعادات المجتمع السوداني فقدموا للجمهور دراما تحمل بعض القيم والمقاصد الغريبة على المجتمع السوداني، وهي قضايا محل خلاف والبعض يفضل أن تحاصر ولاتظهر على السطح حتى لاتتخذها الاجيال القادمة كقدوة في حياتهم ، نعم أن ذلك النوع من الدراما قد وجد قليل متابعة من شريحة معينة من الشباب ومعظمهم من تمت تغذيتهم بخطاب الكراهية والترويج لعبارات وشعارات صممها أو ابتكرها دهاقنة الأحزاب اليسارية ، والتي حاولت السيطرة على عقول وعواطف الشباب السوداني الثائر بشعارات وهمية براقة هدفها اغتيال الشخصيات وتدمير القيم المجتمعية، والسعي بكل جدية لتدمير العلاقات والروابط الأسرية مابين الأشقاء أو بين الأب وابنه أو بين الأقارب عامة ، وفي ظل تنامي ذلك الخطاب تراجعت مساحة الضحك والترفيه لتحل مكانها عبارات وسلوكيات غريبة وشاذة لم يكن يعرفها الشعب السوداني .
ولعل بكاء الممثل عبدالسلام جلود ربما يعتبر صيحة ومناشدة حزينة من أجل وطن يجب أن يتعافى من خطاب الكراهية ، وهو ذلك الخطاب الإقصائي الذي شتت جهود الدولة وجهود القوات المسلحة السودانية التي تقاتل الان في أكثر من ميدان وتدافع بكل إخلاص وتفاني عن عزة وكرامة الشعب السوداني. وأمثال الرائع والجميل عبدالسلام جلود وغيره من نجوم الكوميديا مثل ربيع طه وآخرون ، هؤلاء يستحقون الرعاية والاهتمام من الدولة لأنهم ريحانة المجتمع ورحيقه ويجب أن يجدوا بيئة أفضل من التى يعيشونها الان في معسكرات الإيواء.
وعلى الدولة توحيد الجهود وعزل الخونة المتآمرين والمرتشين الذين باعوا قضايا الوطن من أجل كسب شخصي أو حزبي ، فهم يناصرون مليشيات الدعم السريع في السر والعلن حتى وان قالوا (لا للحرب) كذبا ونفاقا وخوفا على مليشيا الجنجويد من الهزيمة الساحقة .