مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني : الحياة بدون موبايل.. صحة وعافية وافكار جديدة (1 _ 2)

لأكثر من اسبوعين غبنا عن الشبكة العنكبوتية بعد خطف جهاز الموبايل من قبل عصابات الدراجات النارية (9 طويلة) ، وقد عشت بعدها لحظات عصيبة لأن الموبايل أصبح يعني لنا كل شي ، ظللت طوال ليلتي حزينا واتحسر وارسم السيناريوهات الأخرى (لو كنت عملت كذا وكذا .. ماكان حصل كدا )، وصباح اليوم التالي نهضت سريعا ، وهي حكمة أمريكية تقول حينما نسقط يجب أن ننهض بسرعة ، وقد تعثر الرئيس الأمريكي ريغان ذات مرة وسقط أرضا حينما كان يهم بالنزول من على سلم الطائرة ، وبعد فاصل من الضحك والسخرية من بعض المرافقين نهض سريعا وقال لهم (نسقط ولكن علينا أن ننهض بسرعة) ، لذلك قررت العودة إلى حياتي القديمة وان انسى كل شي عن الموبايل والقروبات وأرقام الأصدقاء والحساب البَنكي والفيس والتلغرام والانستغرام وغيرها، قلت انها فرصة للعودة إلى الماضي
اي فترة ماقبل ثلاثة عقود من الزمان وهي حياتنا الرائعة التي سرقها الموبايل بعد أن كانت حياة صافية وراقية وناعمة ومفعمة بالود والاجتماعيات ،
ووقتها كان لدينا الوقت لمواصلة الأرحام والجلوس مع العائلة والأهل والأصدقاء ، ولدينا الوقت لنقرأ الصحف والمجلات والمقالات التحليلية الطويلة وكذلك نطلع على كتب جديدة في مجالات متعددة ، كما كان لدينا الوقت لنذهب للرياضة مثل الدافوري وتمارين الحلاوة والسباحة وارتياد الميادين لمشاهدة المنافسات الرياضية ، كل ذلك ضاع بسبب سطوة الموبايل وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي علينا وهي التي أخذت حياتنا كلها فلم يكن لدينا وقت حتى لنزور الاهل والأصدقاء بل حتى الوجبات داخل المنزل نتباطأ ونتكاسل عنها وحينما نبدأ الاكل ننتهي بسرعة للعودة مرة أخرى للموبايل .
المهم أنني قد تناسيت احزاني و نهضت باكرا ، وبعد صلاة الفجر بدأت بالرياضة لساعة وبعد الحمام شعرت بانتعاشة وحيوية غابت عنا لزمن طويل ، تناولت بعدها وجبة الإفطار الخفيفة مع شاي الصباح الذي فارقناه قبل فترة طويلة ولاكثر من عام قد نبدأ في تناول الشاي بعد الظهر ، شعرت لحظتها أن الصباح جميل والوقت وافر وطويل ومريح لأداء الكثير من الأنشطة ، بعدها اتجهت إلى مكتبتي الكرتونية فنفضت عنها الغبار وهي مجموعة كتب كنت قد اشتريتها ولم أجد الوقت للاطلاع عليها ، بدأت اقرأ واقرأ واتنقل من كتاب لآخر ، وأول كتاب كان عن قصص الأنبياء النسخة الكاملة وهي حوالي ٤٥٠ صفحة وخلصت الكتاب في ثلاثة أربعة أيام ، وقد اخذني هذا الكتاب إلى عوالم كانت خفية عني فقد تضمن أسرار ومواقف منذ سيدنا آدم وصولا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم كتاب ملئ بالقصص والروايات والحكاوي الرائعة الممتعة وهي أقرب للتفسير المباشر لقصص القرأن الكريم ، َهي قصص تحكي عن قدرة المولى عز وجل وعظمة الأنبياء عليهم أفضل الصلوات ، بعده اطلعت على كتاب بعنوان الفوضي الخلاقة _الربيع العربي بين الثورة والفوضى ، وبدأت التهم الكتب تباعا لأنني قد فارقت الاطلاع منذ فترة طويلة وتعمدت أن لا اتابع أخبار السياسة واصلا الطبق في السطح كان طاشي ولم نكن نشعر اننا في حوجة له فكل أهل البيت عدا شخصي ممسك بالموبايل ومشغول مع وسائل التواصل الإجتماعي ، ولم اشأ أن اسأل عن اخبار السياسة والمعارك الحربية ، والله لم أكن أعرف بخبر مجزرة ودالنورة الا بعد يومين من حدوثها حينما زارني صهري وأخبرني بالأمر ، ومقاطعتي للأخبار جعلتني اشعر بالصحة والعافية بعد أن ابتعدت تماما عن اخبار الميديا وفيديوهات الجنجويد التي يتعمدون خلالها أن يهزموننا نفسيا.
وظللت لحوالي اسبوعين في هذا العالم القديم الجميل وقد كان هذا شكل حياتنا خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي إذ اننا نذهب للمدرسة صباحا ونعود منتصف النهار لتناول وجبة الغداء الساعة ٣ دون تأخير ، بعدها نذهب للرياضة يوميا وحتى المغرب ، وبعد العشاء لمة الأصدقاء أو أن تكون مع احد المؤلفين مطلعا على كتاب جديد أو زيارة اجتماعية في آطار صلة الأرحام ولم نكن بأي حال ننتظر الساعة الثانية عشر فالنعاس يداهمنا قبل منتصف الليل، كانت هذه عاداتنا وطريقة عيشنا ، ولكن تغير كل ذلك وتبدلت حياتنا تماما ، وقد كنت سعيدا بهذه العودة ، وعشت أجمل اسبوعين بدون موبايل ذكي ، ولكن ابن اختي ابي الا وان يعيدني إلى جحيم وسائل التواصل مرة أخرى ، إذ ارسل لي من الخليج موبايل جديد وعدت مرة أخرى إلى حياة الأثير البائسة القاتلة .
نواصل

مقالات ذات صلة