حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب :حديث بكري الجاك
الدكتور بكري الجاك أحد القيادات البارزة في مجموعة “تقدم” والناطق الرسمي باسمها، تحدث لقناة الجزيرة مباشر وبلسان عربي فصيح حث قائد الجيش على الاستسلام وأن الأمر عادي سبقته اليه اليابان، من أجل الحفاظ على شعبها و حتى لا تدمر..
بالضرورة هي سقطة لا يمكن لعاقل أن يقبلها و لكن من الممكن أن يعتذر عنها للجيش وللشعب السوداني، و هو ما يجب أن يكون.. كتبت تغريدة في حسابي بالفيسبوك و في “اكس” أيضا أطالبه بالاعتذار، فهذا واجبنا وليس ثمة خيار غير التنبيه لهذا الأمر الذي لا يمكن تجاوزه أو المجاملة فيه..
الذي لفت نظري، أن البعض ممن يُفهم أنهم داعمون أو متعاطفون مع مجموعة “تقدم” استدعوا قاموس الشتائم المعتاد وأنزلوه كاملا غير منقوص .. وهو وجه آخر للأزمة السودانية ما أكثر ما نبهت إليه، وجه الطائفية الحديثة، الذي يجعل الانتماء السياسي عاصما من التفكير أو الارادة الحرة في التقدير، فتصبح مواقفنا تبعا لبطاقاتنا السياسية و تكون النتيجة أن الممارسة السياسية ضرب من الاتباع القطيعي الصارم..
ظللت خلال الأيام الماضية أكتب مشيدا بالمؤتمر العام لمجموعة “تقدم” بل وطالبت الآخرين الاحتذاء به، وكررت ذلك في لقاءاتي بالفضائيات والوسائط الإعلامية الأخرى. حتى بلغ بالبعض ممن هم ضد “تقدم” اتهامي بالترويج و التعاطف معهم وتلقيت ذات الإساءات أيضا.. هذه المرة من الضفة الأخرى للنهر المقدس.
التربة السياسية بالسودان إن لم تتغير فإن الحال يظل بفشله العقيم المزمن الذي خيم على بلادنا منذ ما قبل الاستقلال حتى اليوم.. ملعب سياسي مطمور بحجارة العصبية الحزبية والولاء الاستاتيكي المُقِعد للتفكير أو المساءلة ومحاسبة اللاعبين السياسيين ، فتكون النتيجة استخفاف الساسة بجماهير أحزابهم عطفا على المبدأ الذي أشار إليه القرآن (فاستخف قومه فأطاعوه..).
من حق أي سوداني أن يتبع أي حزب أو تحالف سياسي، ومن حقه أن يدافع عنه ويدعمه، لكن المصيبة إذا تحول الدفاع والدعم إلى خلع للعقل كما يخلع الدرويش حذاءه عند شيخه، هنا تصبح السياسة طقوس وتعاويذ أكثر منها وعي و استنارة لصنع وطن أفضل وشعب أقوى بعقله وتفكيره .
لا أحد معصوم من الخطأ، والخطأ ليس عيبا في ذاته، لكن العيب التمادي فيه بحصانة تجعل القيادة السياسية في موضع من لا يُسأل عما يفعل.
تصريحات الدكتور بكري لا تحتمل التأويل أو التبرير فقط يلزمه الاعتذار عنها.
إلا إذا كان الاعتذار عيب والاستسلام في الحروب ليس عيبا.