مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني يكتب : المليشيات وامريكا سياسة الخيار وفقوس

استمر التجاذب السياسي والصراع العسكري المسلح بمنطقة الشرق الأوسط وفي عدد من الدول الأفريقية لسنوات طويلة ، ما ادي الي ظهور مليشيات عسكرية مناهضة للحكومات الوطنية او مساندة لها في بعض الحالات كما في العراق ، و توجد مليشيات مسلحة لديها قوات عسكرية وتسليحا موازيا لجيوش الدول التي تتواجد فيها وبشكل يبدو منافسا للجيوش الوطنية خاصة في جانب الإمكانات العسكرية ، و في بعض الأحيان قد تتفوق المليشيا على الجيش الوطني كما في حالتي لبنان والعراق ، إذ تمتلك تلك المليشيات القوة البشرية والعسكرية ولديها المخصصات المالية الضخمة ، وبشكل خاص تعتبر مليشيا حزب الله في الجنوب اللبناني واحدة من اقوى المكونات العسكرية غير الرسمية في منطقة الشرق الأوسط ، وقد سببت صداعا دائما لدولة الكيان الصهيوني، بل في بعض الأحيان قد تسببت في شلل لإسرائيل كما حدث في حرب ٢٠٠٦ م وهي الحرب التي خسرتها إسرائيل بكل قوتها وبكل صنوف الدعم المساندة العسكري والمادية الذي تلقتها من الولايات المتحدة الأمريكية ومن بعض دول الاتحاد الأوربي ولكن مليشيا حزب الله وبما لديها من قوة عسكرية ضاربة وارادة حديدية وعقيدة قتالية صلبة استطاعت رد الجيش الاسرائيلي وتكبيده خسائر فادحة اجبرته على العودة إلى أراضيه بعد التوغل في الجنوب اللبناني ، اما في العراق ومنذ الاطاحة بنظام حزب البعث العربي الاشتراكي بزعامة صدام حسين سادت ثقافة المليشيات في العراق ، فعقب سقوط بغداد التاريخي بيد القوات الأمريكية وبعض قوات التحالف من دول اخري ، صعد الي السطح فجأة تيار شيعي مسلح قوي اطلق على نفسه مسمى (الحشد الشعبي) وهو تيار يظهر العداء للولايات المتحدة ولكنه في الواقع مخصص عقيدته القتالية وعدائه المحكم للمكون السني بالعراق لاجل القضاء عليه تماما او إخراجه من المشهد السياسي والاقتصادي بالعراق ، وقد عمد الحشد الشعبى على التنكيل بالسنة واغتيال معظم قياداتهم البارزة لاجل اضعافه والسيطرة عليه بشكل كامل ، ويجد التيار الشيعي المسلح كل الدعم والمساندة من الحكومات العراقية المتعاقبة ودولة إيران بشكل خاص ، كما تقابل جرائمه في حق السنة بالعراق بالصمت الدولي في حالة مشابهة تماما لما يحدث الان للشعب السوداني وهو الشعب المحسوب بشكل او اخر على التيار السني في الإقليم ، اما في اليمن فقد صعد نجم الحوثيين عاليا بمساندة ودعم لا محدود من الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح ، وتأييد وربما دعم من بعض دول الخليج (التي تحاربه الان) وقد كان الهدف وقتها هو القضاء على تيار الإصلاح الذي لديه توجهات إسلامية اقرب الي حركة الاخوان المسلمين ، ولذلك ايدت بعض دول الخليج صعود تيار الشيعة المسمى أنصار الله وكذلك ساندهم على عبدالله صالح نكاية في حكومة الجنرال عبد ربه منصور فكانت النتيجة هي ان تسيد التيار الشيعي المشهد السياسي والعسكري باليمن ، وادي ذلك الوضع الي حدوث انقسام حاد في اليمن ، وظلت البلاد تعيش في حالة اشبه بحالة اللا دولة ، ولم تصمت أصوات المدافع منذ سقوط حكومة على عبدالله صالح ، بيد ان المواقف البولية الأخيرة لمليشيا الحوثيين والتي وجهت صواريخها للعمق الاسرائيلي وهددت الملاحة الدولية وخاصة السفن المتوجهة لإسرائيل ، نالت تلك المواقف استحسان ورضاء الرأي العام العربي عن مليشيا الحوثيين وبالمقابل ان شنت تلك القوي (جناح المثلية الدولية) حربا غير متكافئة ضد لمليشيا الحوثيين نصرة مساندة لإسرائيل ، و في ليبيا كان الوضع مشابها تماما للوضع في السودان ، إذ ان مليشيا حفتر التي تحارب الحكومة الشرعية في طرابلس بزعم انها منسوبة للإخوان المسلمين وتتلقي الدعم المالي والعسكري من دول الخليج بتأييد ومباركة من الولايات المتحدة ومن عدد من دول الاتحاد الأوربي .
هذا في منطقة الشرق الأوسط ، أما في أفريقيا فتوجد عدد من الحركات المسلحة ، نعم انها لاتمتلك إمكانات كبيرة وليس لديها تنظيما عسكريا حازما كما في بعض مليشيات الشرق الأوسط ، الا ان المليشيا الوحيدة الشاذة عن هذا الوضع في أفريقيا هي مليشيا الدعم السريع بالسودان فهي تجمع مابين الإمكانات المالية والبشرية والقدرات العسكرية العالية وتجد الدعم والمساندة السياسية الإقليمية والدولية ، وكذلك توفر لها الإمكانات الفنية والدعم العسكري اللامحدود من دول الإمارات وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل والنرويج والولايات المتحدة ، ودعم لوجستي من بعض دول الإقليم مثل كينيا واثيوبيا وبعض دول الجوار السوداني مثل تشاد وجنوب السودان وليبيا حيث مواقع سيطرة حفتر ، كما يتم توفير الغطاء الدولي لتبرير افعالها وجرائمها في حق المدنيين بالسودان وانتهاكها لكل الأعراف والقوانين الدولية ، فهي تلقى الدعم و المساندة من عدد من المنظمات والهيئات الدولية التي تحابيها وتصمت عن جرائمها ، كل ذلك يوفر الان لمليشيا الدعم السريع بالسودان ، وهو وضع لم يتوفر لاي مليشيا على مستوى أفريقيا بل ربما حتى على مستوى العالم ، وربما الهدف هذا الدعم اللامحدود هو ان تلك القوي الدولية المتأمرة والطامعة تريد تشكيل السودان جغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، و تعتبر انها الان قد وجدت ضالتها في مليشيا الدعم السريع لتحقيق تلك الأهداف .
وهي جهات لديها مع السودان عداءا قديما يعود إلى اربعة عقود من الزمان ، فعقب اعلان الرئيس الراحل جعفر نميري قوانين سبتمبر في العام ١٩٨٣ م ، اعتبرت تلك الجهات ان التوجهات الجديدة للسودان تعتبر مهددا خطيرا لكل الدول الأفريقية ولعدد من بلدان الشمال الافريقى العربي ومهددا لاستراتيجيتها الثقافية والاقتصادية في المنطقة ، ولذلك تم وضع عدد من البرامج والخطط للأحتواء والسيطرة ، وتمثلت تلك الخطط والسياسات في إشعال ودعم النزاعات المسلحة بأطراف السودان بجانب دعم برامج الفوضى الخلاقة وأحكام الحصار الاقتصادي والعسكري على السودان ، فطوال فترة اربعة عقود من الزمان ظلت القوي الدولية تستهدف السودان في شخص الحكومات الوطنية وبعدها حكومات الإنقاذ المتعاقبة ،و لم تتوقف سلسة الإجراءات الكيدية والعقوبات والتأمر وتأجيج الصراعات المسلحة بالسودان حتى بعد سقوط الإنقاذ في ابريل من العام ٢٠١٩ م ، وهو سقوط لم يتوقعوه ان يكون هكذا سهلا وسريعا ، وربما هذه المفاجأة قد احدثت صدمة ، تسببت في ارباك الخطط والبرامج وخاصة عدم مقاومة أنصار النظام السابق للثورة السودانية ، والجانب الاخر هو ضعف وقلة بل انعدام كفاءة الكادر السياسي للبديل اليساري الذي نصبوه ليحكم دون انتخابات او تفويض شعبي ، فكانت النتيجة مخزية محبطة ومحطمة لاحلامهم وامالهم بعد عجز المكون اليساري المدني عن إدارة الدولة ، وتبع الفشل الإداري تدهور اقتصادي مريع هبط بالاقتصاد السوداني الي الي القاع ،وكثرت الصراعات القبلية المسلحة وتبعها تدهور ثقافي و أخلاقي وانهيار تام لنظام التعليم بالبلاد ، وانهارت علاقات السودان الخارجية بسبب ضعف وزراة الخارجية وضعف أداء سفارات السودان ، اجمالا فإن الولايات المتحدة الأمريكية وتلك الجهات الدولية دائما ما تؤيد وتساند وتدعم اي مليشيا عسكرية مسلحة ان كان موقفها مناوئا لحركات الإسلام السياسي في بلدها ومساند لاسرائيل ، ومساندة وتأييد تلك المليشيا للبرنامج الثقافي المصمم لتلك الدول خاصة فيما يلي اشاعة الانحلال الاخلاقي وضرب المجتمع في عمقه (الاسرة) حينها تكون تلك المليشيا محل رضاء وتقدير ودعم من الولايات المتحدة والقوي الدولية المساندة للماسونية الجديدة ، وكمثال لتلك المليشيات منها مليشيا حفتر بليبيا ومليشيا الدعم السريع بالسودان ، او ان تكون المليشيا العسكرية ليس لها عداءا وتهديدا واضحا لأسرائيل مثل الحشد الشعبى بالعراق وهو الذي يظهر بعض العداء الظاهري لإسرائيل ولكنه في الواقع وداخل المنفستو الخاص به يعتبر إسرائيل دولة صديقة ويلتقي معها في واحدة من أهم أسباب وجودهما معا وهي تنفيذ خطة القضاء على التيار السني بالعالم العربي وأفريقيا والعالم ، وعلى الجانب الاخر فإن الولايات المتحدة الأمريكية وتلك الجهات الدولية تعتبر ان اي مليشيا عسكرية تناهض إسرائيل وترفض سياسة التبعية لمعسكر الانحلال الاخلاقي ، كما في حالة حزب الله اللبناني و جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن وحركة حماس بفلسطين وبعض الحركات المسلحة في بعض البلدان الإسلامية، ففي هذه الحالة تعتبر المليشيا عبارة عن مجموعات اجرامية تمارس الإرهاب و تتشدد الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط الدولية عليها من خلال مجلس الأمن الدولي وعبر العديد من الهيئات والمنظمات الدولية لمحاصرتها وتضييق الخناق عليها .
اذن فأن الدعم السريع يقع ضمن اطار الخيار المفضل للولايات المتحدة الأمريكية ولمعسكر الانحلال الاخلاقي المؤيد لكل ماتقول به امريكا ، في حين تقف مليشيا الحوثيين وحزب الله وحركة حماس وبعض الفصائل ذات التوجه الإسلامي ، ضمن دائرة الفقوس الذي يجب قضمه والقضاء عليه .

مقالات ذات صلة