مشهد جديد عبدالسميع العمراني يكتب : قالتها بنونة بت المك نمر من قبل .. البطل محمد صديق…. الأشجار تموت واقفة
في العام ١٩٤٨ م كتب الاديب الاسباني اليخاندرو كاسونا مسرحية (الأشجار تموت واقفة) وهي تتحدث عن نوع من البشر يثبتون حين المصائب الكبيرة ولاينحنون امام عواصف الحياة ،حتى إذا هزموا فانهم يموتون واقفين كالأشجار في شموخها وعظمتها ، وبعده في العام ١٩٦٤ م كتب الاديب الفلسطيني معين بسيسو قصيدته الرائعة (الأشجار تموت واقفة) ، لتتناول صمود وعزة الفدائي الفلسطيني في وجه الاحتلال ، نعم قتل م. اول محمد صديق الشهيد البطل ، ووثقت الكاميرا لقطات مصورة لاخر لحظات حياته وهو اسيرا في أيدي المليشيا ، شاهده الملايين من أبناء الشعب السوداني كيف انه واجههم بشكيمة ورجولة وفراسة وثبات ، إذ سطر الفتى ملحمة خالدة في وجدان الشعب السوداني ، ملحمة تحكي عن عزة وصمود وقوة شكيمة هذا الشعب الأبي والذي لن تلين عزيمته او تكسره ممارسات المرتزقة الخونة القادمون من أقصى الغرب الافريقى بكل بؤسهم وخبثهم و أفعالهم الدنيئة النابعة من سوء الخلق وانعدام التربية ، جاء هؤلاء الاوباش او جيء بهم ليعيثوا الفساد في أرض السودان الطاهرة ليشيعوا ثقافة القتل والسحل والاغتصاب وانتهاك الحرمات ، فماذا بينك وبين الله يا محمد صديق لتموت واقفا شامخا كالأشجار ، وربما جاء موتك هكذا لتذكر الامة السودانية والإسلامية بصمود وقوة الشهيد البطل صدام حسين حين لم ينكسر وهو في آخر اللحظات قبل اعدامه فقد رفض تغطية وجهه وفضل ان يموت وهو ينظر بفخر إلى عيون قاتليه ، وكررها بالأمس القريب محمد الصديق الذي طلبوا منه أن يموت جبانا ليتغزل في مليشيا الدعم السريع ، فرفض واهانهم فما كان منهم الا أن قتلوه بدم بارد كشيمة ودأب الجبناء الخونة الذين لايعرفون للنبل والخلق الحسن سبيلا .
ذهب محمد صديق الي ربه مرضيا باذن الله ولكنه اوقد شعلة الجهاد في القلوب والعقول وستنشق الأرض عن الف بل الاف مثل محمد صديق من دفعته وأصدقائه وسيذيقون عصابات المليشيا من كؤوس الانتقام القاسي ان شاء الله ، وقد كان الشهيد م. اول محمد صديق مثله مثل انور باشا والذي كان قد شارك مع الضباط الاحرار في تركيا في إزالة حكم السلطات عبدالحميد وتم عبرهم ؤاد دولة الإسلام وتم تعيينه وزيرا للحربية وهو شاب لم يتجاوز عمره ثلاثون عاما ،وبعد أن دانت الامور لبريطانيا في تركيا تم نفي انور وصحبه الي البلاد البعيدة ووقتها شعر انور بالذنب فكان ان قاد كتائب المجاهدين في مناطق اسيا لمناهضة الاستعمار وقد انضمت اليه كل الشعوب الإسلامية وقاد أعظم ثورة الي ان لقى ربه واقفا شامخا كالأشجار ، محمد صديق الثائر بطبعه المتمرد على الحياة كان بإمكانه مغادرة السودان والبقاء في اي دولة خليجية بعد ان قدمت له العديد من عروض العمل بعد احالته للمعاش ، ولكن هذا الفتى لم يرضى ان يموت ميتة ام رمادا شح ، ففضل ميتة يوم اللقيا وتوشح بدماءه الطاهرة (مادايرالك الميتة ام رمادا شح… دايراك يوم لقاء بدميك تتوشح ) كما خلدتها ملحمة شعرية من أجمل المرثيات والبكائيات بننونة بنت المك نمر في رثاء عمها المك مساعد وعكسها لنا لحنا أسطورة الغناء السوداني الراحل عبدالكريم الكابلي رحمة الله عليه .