لا يحق للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب.. (البل) .. بقلم عميد م إبراهيم عقيل مادبو
*1/* في الوقت الذي تتجه فيه الحرب في السودان إلى أن تكون مواجهة بين جيش نظامي، ومليشيا متمردة تستعين بمرتزقة أجانب، إلا أن لهذه الحرب وجه آخر اتضح مع إقحام المرتزقة الأجانب فى الصراع، وهو صمت المنظمات الأممية والدول العظمى التي ترعى منظمة الأمم المتحدة، وعلى الرغم من تجريم الأمم المتحدة لكل مرتزق وكل من يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل المرتزقة، وحظر الدول على تجنيدهم واستخدامهم، إلا أنها لم تتحرك تجاه استعانة مليشيا آل دقلو بالمرتزقة من دول الجوار الأفريقي، وبعض الدول الأقليمية مثل سوريا واليمن والإمارات وسعي الأخيرة لجلب “المرتزقة” إلى البلاد للوقوف بجانب مليشيا آل دقلو المتمردة.
*2/* من الناحية القانونية فإن قواعد القانون الدولي قد حددت التوصيف القانوني للمرتزقة حيث عرَّف بروتوكول 1977م الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949م المرتزق على أنه “أيّ شخص يُجرى تجنيده خصيصاً محلياً أو في الخارج ليقاتل في نزاع مسلح، ويشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية، يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويُقدم له فعلا من قبل طرف فى النزاع أو نيابة عنه مع وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يُوعد به المقاتلون الوطنيون ذوى الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة للطرف الاخر أو ما يُدفع لهم، وهو ليس من رعايا أى طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع، وليس فرداً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه فرداً في قواتها المسلحة”، وقد جرَّمت الأمم المتحدة فى المادة 2 من بروتوكول 1977م كل مرتزق وكل من يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل المرتزقة، كما حظرت على الدول تجنيدهم واستخدامهم، كما حرمت المرتزق من الحماية بالنص على أنه: “لا يحق للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب”.
*3/* يُعتبر استقطاب وتوظيف المرتزقة فى أى صراع بمثابة وقود يؤججه ويطيل أمده، وهو ما شهدته بالفعل عدة دول فى العالم مثل أفغانستان والعراق وسوريا والصومال، حيث يسعى المرتزقة إلى إفساد أى مساعي للتسوية السلمية لضمان استمرار الصراع والحفاظ على مصالحهم والأموال التى يتقاضونها نظير مهامهم القتالية، فكلما زادت أعداد المرتزقة، كلما أصبحت النزاعات أطول وأكثر دموية، ولذلك يجب على المفاوض السوداني وضع هذا الشرط ضمن شروط إنهاء التمرد، وإلزام مليشيا آل دقلو إن كانت تمتلك الإرادة وتريد تنفيذ بنود إتفاق جدة، فعليها ايقاف استجلاب المرتزقة واعادة المنضوين في صفوفها إلى بلدانهم قبل تنفيذ بند الخروج من منازل المواطنين والمرافق الخدمية العامة وكل ما يندرج تحت مصطلح الأعيان المدنية.
*4/* إن التزام المنظمات الأممية والحقوقية فى دول العالم الصمت وعدم إعلان رفض الاستعانة بهولاء المرتزقة فى الحرب السودانية استنادا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، فى الوقت الذى كانت تُدين فيه، بل وتتهم سابقاً الأجانب المقاتلين فى سوريا والعراق وليبيا بالارتزاق والإرهاب وتنتقد دائما توظيف المرتزقة في الصراعات الدولية، يعكس ازدواجية المعايير عند تلك المنظمات والدول الغربية، وضربها عرض الحائط بكل القوانين والاتفاقيات الدولية حال تعارضها مع مصالحهم الآنية، الأمر الذى يُشير إلى أن المجتمع الدولى بات يُرحب بفكرة تجنيد المرتزقة بل ويُكرس لها وكأنها وسيلة قانونية جديدة وأداة فعالة من أدوات الصراع فى ظل نظام عالمي جديد.
*5/* لا شك أن وجود المرتزقة كعنصر فاعل ومؤثر فى الحرب في السودان يسهم فى إيجاد ودخول أطراف جديدة للصراع بأفكار ومفاهيم جديدة وقواعد للحرب لا يمكن للقوات المسلحة السودانية التعامل معها بالشكل التقليدى للحروب أو المواجهة العسكرية التقليدية، ولذلك لابد أن ينتهج الجيش اسلوب قتالي جديد للتعامل مع المرتزقة وداعميهم ومستخدميهم، إذ أن هؤلاء المرتزقة قد يعمدون إلى تحويل الحرب إلى مواجهات ذات نمط جديد جراء تقاطعات المصالح بين الدول التي تمولهم وتستخدمهم أو التي قدموا منها، وظهور تهديدات مستقبلية لأمن واستقرار البلاد ربما لسنوات وعقود مقبلة تستنزف آنذاك ميزانية الدولة وتضطرها على زيادة الإنفاق العسكري والتسليح على حساب التنمية والبناء وتأخير مرحلة إعمار ما بعد الحرب، وأيضاً لابد من التحسب من حدوث انقسامات متوقعة بين صفوفهم بسبب الصراع على النفوذ والإستحواز على الغنائم والمسروقات، وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع أعمال عنف واستهداف المواطنين العاديين، وما يشكله ذلك من تحديات كبيرة تتعلق بتوسع القتال والقيام بعمليات إرهابية بالوكالة، وكل ما من شأنه أن يهدد الأمن والسلم الوطني والإقليمي، وينبىء بوجود بؤرة إرهاب وتطرف جديدة تهدد أمن واستقرار القرن الأفريقي بل والعالم بأسره.
عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو
معلم قانون حرب وقانون دولي إنساني.