حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : مُسيّرات شندي..
لم تكن مفاجأة كبيرة أمس عندما بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تناقل أخبار طائرات مسيرة قتالية حاولت استهداف مطار الفرقة الثالثة مشاة بشندي، فالضربة التي وُجهت لافطار في مدينة عطبرة ثم المحاولة الفاشلة لاستهداف مقر جهاز المخابرات في القضارف كل ذلك جعل الشعور العام متجاوزا للصدمة.
لكن مع ذلك لفتت نظري ملاحظة مثيرة للدهشة، صدر بيان من الإعلام الحربي يوضح ماحدث في المنطقة العسكرية المستهدفة بشندي، و بالضرورة لا يُفتَي ومالك في المدينة فالجيش هو الجهة الأكثر قدرة على توضح الحقائق بدقة لأنه يملك المعلومات الدقيقة التي لا يرقى إليها التأويل والشك.
بيان الجيش تحدث عن مسيرتين اثنتين فقط، و أوضح الطريقة الاحترافية في التعامل معهما من حيث الرصد والانذار المبكر ثم المعالجة العسكرية بالمضادات الأرضية وتدمير الرأس المتفجر في كليهما بعيدا عن الأهداف، و فعلا أثبتت الوقائع أن الهجوم لم يسفر عن خسائر لا في الأرواح ولا المعدات بما يعني كفاءة التصدي واحترافيته.
لكن بيان الجيش قال (ليس هناك ما يدعو لإغلاق الأسواق أو تعطيل العمل بالمدينة ..) وأكد (أن الأوضاع بقيادة الفرقة الثاثة ومدينة شندي تسير بصورة طبيعية..).
بيان الجيش يكشف أن الأخبار التي راجت عن عدد المسيرات لم تكن دقيقة، غالبية مواقع التواصل تحدثت عن 4 مسيرات، والأكثر خطورة هو اشارة البيان التي يُفهم منها أن حالة من القلق أدت لإغلاق الأسواق وتعطيل العمل بالمدينة.
بكل يقين بيان الجيش أثبت أن الفرقة الثالثة مشاة بشندي يقظة وحارسة أمينة ليس للأرض بل السماء و أنها رصدت الهدف المعادي واستعدت وتعاملت بمنتهى الاحترافية مما أفسد الهجوم، وهذا جيد لكن في المقابل فإن حالة من القلق سرت في أوصال المدينة جعلت البعض يغلق محلاته التجارية ربما للتحول إلى وضع الدفاع حيث أن المقاومة الشعبية في شندي ظلت متحسبة لمثل هذا الظرف منذ فترة، وهذا يعني عمليا أن الهجوم فشل تماما عسكريا لكنه حقق بعض الربكة معنويا.
لو ارتفع الأداء الإعلامي الحربي لمستوى الأداء العسكري ربما لصدر بيان عاجل مباشرة بعد دحر الهجوم يمنح المواطن درجة عالية من الثقة أن الأمر تحت السيطرة ولا يتحتم على أحد ترك عمله أو اغلاق محله.
معلوم أن الهجوم بالمسيرات فشل أيضا في القضارف لكن نجح في اثارة الذعر لدرجة اغلاق بعض المحلات في الأسواق، ومعنى ذلك أن الهجوم بالمسيرات ليس هدفه التدمير والقتل فحسب بل اثارة الذعر كنوع من الحرب النفسية التي تشيع حالة الخوف بين المواطنين.
ولافساد الهجوم عسكريا واعلاميا يتوجب بمثل السرعة التي تعاملت بها الفرقة الثالثة مع المسيرات وهي في الجو، أن تتعامل مع استهدافها الاعلامي والحرب النفسية بالسرعة ذاتها فتصدر البيان مباشرة بعد الهجوم وتعلن للمواطنين دحر الهجوم.
هذه الملاحظة أهميتها تكمن في أن الحرب النفسية واحدة من أكثر أسلحة الحروب التي تحقق أهدافها دون الحاجة لنصر عسكري، فيكفي فقط اثارة الذعر والقلق واشاعة البلبلة لضرب احساس المواطن بالأمن والأمان.
الحرب النفسية واحدة من أكثر أسلحة الدمار المعنوي للمواطن ويجدر الاهتمام بقفل ثغرتها.