حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : بصفتي رئيس وفد التفاوض
(لو سمحت لي الحكومة أن أكون رئيسا لوفد التفاوض مع الدعم السريع، فلن يبيت السودان ليلة إلا وقد وقعنا اتفاق السلام..).
كتبت هذه العبارة في صفحتي في الفيسبوك- التي استخدمها كثيرا لقياس ردود الفعل- وفي الحال انهالت عشرات الردود، ليس بها إلا النادر القليل الذي سأل ( كيف؟) أي ماهي الطريقة والأسلوب الذي يفضي للوصول إلى اتفاق بعد كل بحور الدماء والاشلاء والانتهاكات والفواجع التي لم ير الشعب السوداني مثيلا لها.
لكن الأكثر دهشة أن عددا كبيرا بدأ يقدم حيثيات نيابة عن الدعم السريع، وهو ما نطلق عليه في علم التفاوض (التلبس بشخصية الطرف الآخر).. ففي المفاوضات عموما تكتيك معروف يطلق عليه (الاطار المتحرك Moving Frame) وهو تحديد موضوعي يجعل الطرف الآخر يتحرك في اطار افتراضي مغلق مرن، وكلما ضاق الاطار سهل الحصول على التنازلات.
من مباديء صناعة الاطار المتحرك عبارة يحفظها دائما المفاوضون (لا تصنع حجج الطرف الآخر)، بمعنى لا تحاول افتراض حجج لم يتقدم بها الطرف الآخر، فهنا تصبح كأنما تفاوض نيابة عنه أو تدعم حججه بهدايا مجانية.
مثلا.. من يقول ، وكيف يخرج الدعم السريع من الاعيان المدنية إلى أين يذهب؟ أو مثل هذه الحجج التي تحاول أن تبين صعوبة موافقة الدعم السريع على ما يطلبه مفاوض الجيش السوداني.. هنا من يقول هذا فهو يتلبس بموقف الدعم السريع ويعبر عنه، وهذا أسوأ ما يمكن أن يفعله المفاوض أو من يقف في خندق الجيش.
في علوم التفاوض أحمل دائما في جيبك مفاتيحك لا مفاتيح الطرف الآخر، بمعنى لا تقدم أية خيارات مهما كانت طفيفة تسمح للطرف الآخر أن يوسع مساحة تفكيره، ارفع السقف وتقدم بقوة في الاتجاه الداعم لحججك مع ترك مسارات جانبية تسمح للطرف الآخر أن يتسرب عبرها إلى مناطق مغلقة دون أن يحس بذلك.. أشبه بطريقة توجيه الماء للري عبر الجداول، بالامكان صناعة مسارات معينة تفضي إلى فخاخ Traps بشرط أن لا يشعر الطرف الآخر بانه متجه نحوها.
وهذا التكتيك يستلزم القاء الأنشوطة من بعيد في رقبة مفاوض الطرف الآخر.. حيث يصبح ممكنا اقتياده بسهولة الى حيث تنحسر الخيارات و يصبح حتما القبول بالتنازلات..
لا أريد أن أكشف الموقف التفاوضي كاملا فهذا أيضا من مباديء علم التفاوض ( كن دائما في النقطة العمياء Blind Spot)