حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : مؤتمر باريس ..
على الصعيد الشخصي تلقيت دعوة للمشاركة في السمنار المنعقد موازياً لإجتماع الدول التي تبحث في الأزمتين الإنسانية والأمنية، و أكملت الاستعداد للسفر لولا ظرف حال في آخر لحظة عن إلتحاقي بالمؤتمر.
و لا أفهم الضجة المثارة حول المؤتمر، فهو فعالية دولية دعت إليها فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي لمساعدة السودان و أهله في التعامل مع الواقع الكارثي ، ومن الممكن لمن شاء أن يقبل الدعوة أو يرفضها، ولكن لا يبدو منطقيا أو سويا أن توصم الدعوة بالعار الذي يستوجب مسحه في جبين كل من شارك فيه.
دعوة الحكومة السودانية للمؤتمر مهمة وتدعم حيثيات تنظيمه لكن في المقابل عدم الدعوة لا يتطلب رفع صوت الاحتجاج فهذا أمر موكول للجهات المنظمة و سواء كان تقديرها صحيحا أم لا فإن الأمر في النهاية لا يمس شرعية الحكومة السودانية ولا يجرح خاطر السيادة الوطنية، بل الأوجب النظر بعين الاعتبار في الأسباب التي أدت لحجب تمثيل الحكومة السودانية و الاجتهاد في تجنبها مستقبلا.
و الناظر لردود أفعال الحكومة السودانية تجاه كثير من الارتباطات أو الفعاليات الاقليمية والدولية أن “لا” حاضرة بقوة بلا سند مفهوم، فالحكومة السودانية خاضت معركة –بلا معترك- ضد فولكر رئيس البعثة الأممية بالسودان حتى طردته ثم ازاحته من موقعه، وواصلت المعركة ضد البعثة نفسها إلى أن أصدر مجلس الأمن قراره بانهاء مهامها. و لم يظهر حتى الآن في الأفق ما يدل على أن الحكومة لديها ما تريد فعله أكثر من الطرد البعثة ورئيسها.
ثم منظمة الايقاد، بدأت المعركة برئاسة اللجنة الرباعية التي تولتها كينيا، بديلا لجنوب السودان الذي اتضح لاحقا أنه تحرج من الرئاسة لعلاقته بطرفي الحرب فآثر الانسحاب الصامت. ونجحت الحكومة في إلغاء اللجنة وبلغت سعادة الحكومة السودانية بذلك درجة التحمس لاعطاء الايقاد دورا أكبر على حساب منبر جدة.
و زار الرئيس البرهان بعض دول الايقاد ثم مقر رئاستها في جيبوتي مدشنا علاقة وثقة جديدة تسمح بابتدار مبادرة جديدة عبر اجتماع قمة طلبه واستجابت له الايقاد، ولكن ما أن خرجت القرارت حتى أخرج السودان “لا” كبيرة جديدة، ثم تطورت إلى “لا” ضد رعاية الايقاد لملف السلام بالسودان، ثم “لا” أكبر منها لمنظمة الايقاد نفسها واعلان تجميد عضوية السودان.
هذه مجرد لمحة سريعة لمسلسل “لا” في السياسة الخارجية السودان لا يكلف أكثر من بيان يصدر أحيانا منسوبا لوزارة الخارجية وتارة لاعلام مجلس السيادة و أخرى على لسان خطاب جماهيري شفاهي مفتوح لا يحتاج لأكثر من خلفية هتافات تؤيده دون أن تدري محتواه.
متلازمة “لا” ليست سيئة في حد ذاتها بل في كونها خالية من أي فعل آخر بديل يثبت أن “لا” هي سليلة خطة أو سياسة أو فهم محدد وليس مجرد استسهال للبقاء في حيث لا حيث ولا حيثيات..
من الحكمة أن تدرك السلطة في السودان أن الوقت يمضي سريعا وأن الخيارات تضيق كل يوم للخروج من نفق الحرب بأعجل ما أمكن قبل أن فوات الاوان.