خارج الصندوق .. م. سامي عبدالوهاب حاج الامين يكتب : إسرائيل مفترق طرق .. بين مشروع التاسيس الصهيوني ومضاغطة الداعم الليبرالي
حرب السابع من اكتوبر فتحت افقا جديدا للتعامل مع اسرائيل بطريقة ليست كما السابق ،حيث كان المثقفون العرب يعتبرون اسرائيل كتلة واحدة صماء تفكر بنفس الطريقة ما حرمهم من ميزات واسعة في مواجهتها .
وهو امر يكذبه الواقع اذ تعتمل البنية الاسرائيلية على تناقضات كبيرة وبنيوية للحد الذي اعتبره بذور فناء وليست مجرد تناقضات يمكن ان تنتهي مع تفاعلات الواقع على المدى البعيد .
وهنا يحضرني المثل الروسي الشهير (يهوديان ..ثلاثة اراء) مايؤكد طبيعة الخلاف المتجذرة في بنية الوعي الاسرائيلي ،من المهم فتح نقاشات مهمة حول تأثير الحروب التي تخوضها إسرائيل في مستقبل الدولة في ظل التناقضات البنيوية في المجتمع الاسرائيلي .
وفي محاولة الإجابة على هذا السؤال اذكر ثلاثة مستويات من التناقض مهمة جدا ثانيها التناقض الذي عبر عنه يائير لابيد زعيم حزب هناك مستقبل حين اتهم اليمين المتطرف بجلب الحرب إليهم وهو ما يلفتنا الي ان قوة إسرائيل ونموها السكاني يعتمد على هجرة جماعاتها اليها والذي تحد منه الحرب بشكل مؤثر جدا ويقودنا الأمر الي مستوى ثالث من التناقض حين عقدت محاكمة شهيرة ليهود الجزائر كانت تهمتها الاكبر انهم احبطوا امال الامة الإسرائيلية حين لم يهاجروا الي إسرائيل مافتح جدلا واسعا في اوساط النخبة الإسرائيلية لتفكر بعمق حول شرعنة اساس بناء دولة عبر الهجرة اليها ،فكيف يبنى وطن عبر تشجيع الهجرة اليه وكيف يتفاعل مواطن من ذلك النوع المحفز للهجرة مع كوارث ونكبات أمته وهل يمكن ان تبنى أمة بتلك العناصر وغيرها من التساؤلات ،وبالضرورة هذين المستويين تمثل الحرب عاملا مرعبا في معادلة اعتماد الهجرة اساس لبناء الامة ،فالحرب تمنع اي مستثمر يهودي من جلب استثماراته اليها وهو ما حوكم فيه يهود الجزائر حين استثمروا جل أموالهم في فرنسا ما اعتبرته المحكمة تهريبا وهي محكمة انصح الجميع للإطلاع على مجرياتها لمعرفة اساس إسرائيل ونقاط ضعفها .
المستوى الاول من التناقض والاخطر والذي ادخرته لآخر المقال هو المستوى الثقافي من التناقض بين علمانيين ويسار مقابل يمين متطرف ظهر جليا في احتجاجات يوم الغفران حين ادى اليهود العلمانيون شعائرهم مختلطين وادى المتدينون المسيطرين على الدولة شعائرهم بطريقة مختلفة ،وقد بلغ الصراع ذروته حين برزت للسطح امتيازات المدارس الدينية وخريجوها وتعرف عليها المجتمع الإسرائيلي واثارت حفيظته ما دفع عدد من المثقفين اليهود بدق ناقوس الخطر حول تلك الصراعات التي اعتبروها مهددا للمجتمع الاسرائيلي وامنه القومي.
ولعل أبرزها إعفاء طلبة المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية مادفع اليسار وحلفه الي الاحتجاج بقوة لدرجة انقسم فيها الشعب الاسرائيلي الي قسمين ولأول مرة بعد حرب السابع من أكتوبر اتجه الصراع ليكون اكثر وجودية وبرز التساؤل في المجتمع حول دور اليهودية في إسرائيل وهو محك لم يقف فيه المجتمع الاسرائيلي من قبل .
هنالك إشارة لماحة يجدر التعليق عليها وهي ان الأساس الاقتصادي لإسرائيل والمشروع الداعم لها هو مشروع علماني بحت يعتمد القيم الليبرالية كاساس ويتوسل الي غاياته عبرها وهو يناقض تماما فكرة الدولة اليهودية وبرز ذلك جليا حين اجتاحت حماس عمق إسرائيل وتردد الاسرائيليون في الرد حتى ضغطت عليهم الولايات المتحدة لدرجة جعلت الجميع يعلم أن إسرائيل ليست آمرة لامريكا إنما هي مخلب قط لها في المنطقة وبدا جليات تسرع بايدن وحماسه لاندلاع المعركة وإرسال اساطيله وحلفاؤه للمنطقة لتشجيع إسرائيل المترددة .
وبعد اندلاع الحرب وضغط المجتمع الليبرالي على الاستابليشمنت في الولايات المتحدة وكعادة الليبراليين في لا مبداية قضاياهم وسيادة معادلة السوق ومنطق الربح والخسارة قرروا التراجع في الوقت الذي عجز فيه اليمين عن الرجوع بفعل استثمار وجوده في دعم الحرب وتشجيع اندلاعها والمضي حتى آخر الشوط ما سمح للجميع أن يرى الشرخ بين المشروع الليبرالي الداعم والممول والمساند لإسرائيل والحركة الصهيونية المؤثرة والفاعلة والمحركة للنخبة اليهودية ،هو شرخ بدا وسيتسع وسيفتح آفاق جديدة للصراع ستكون في صالح من يستقرا الواقع ويستشرف المستقبل ويخطط لينال السيادة في المنطقة .
اتضح بما لايدع مجال للشك ان إسرائيل امام مفترق طرق وأننا عقلها السياسي غارق في التلموت وان دولة ثيوقراطية في اذهانهم برذت للسطح وستقاوم المشروع الليبرالي الداعم لها والذي ظن ان بإمكانه ابتلاع وتمييع التلمود في مشهد تراجيدي لا تشرحه الا الآية الكريمة (الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة).
المنطقة كلها ستمر بتغييرات جوهرية تكون فيها الإمارات اقرب لامريكا من إسرائيل والايام ستكشف العري الكبير الذي سترته لسنوات وسنوات.
م.سامي عبدالوهاب حاج الامين