حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : ولاية الجزيرة .. بيانات خجولة..
بعض الذين نجحوا في مغادرة ولاية الجزيرة خلال الأيام الماضية حكوا لي قصصا تبدو كأنها من الخيال من فرط ما بها من رعب وارعاب .. أشد ما فيها ايلاما ليس القتل والضرب وحدهما بل أن يضطر الأطفال الصغار والنساء الحوامل والشيوخ المنهكون السير زحفا بأقدامهم عشرات الكيلومترات وهم يرتجفون من هول الخوف والجوع.. الصور التي تنتشر في الوسائط لا تحكي كل شيء لأن انقطاع شبكات الاتصال والانترنت لا يزال يحجب المشهد فلا يطل منه إلا القليل متسللا عبر الذين أنجاهم الله إلى ملاذات آمنة..
تحت ضغط الفواجع اضطرت بعض الأحزاب والتحالفات السياسية اصدار بيانات –أداء الواجب- تجتهد في رفع اللوم عنها و الامعان في تخيّر الكلمات والعبارات التي تحمل “الكتابة” في وجه و”الطُرة” في وجهها الآخر.. من ضمن هذه البيانات ما نشرته مجموعة “تقدم” في موقعها وقالت في جزء منه (تعتبر الإجراءات التي تمت في تلك المناطق تجاه سكانها المدنيين جرائما غير مقبولة أو مبررة تجاه السكان المدنيين).. من المدهش أن يطلق على كل ما تعرضت له القرى الآمنة في ولاية الجزيرة بأنها “اجراءات”!! هذه المفردة حتى الدعم السريع نفسه عندما اعتذر عن ما يجري في ولاية الجزيرة لم يصف ما تعرض له السكان بأنه “اجراءات”..
من الواضح أن الاستبسال في بث رسالة برأسين، أحدهما ينظر إلى المدنيين المقهورين والآخر ينظر إلى الدعم السريع، لارضاء الطرفين هو ضرب من الانتحار السياسي.
مجموعة “تقدم” والأحزاب والمكونات المجتمعية التي تنضوي تحتها هي كيانات يفترض أنها تنتظر وتنظر لتلعب أدوارا سياسية ومجتمعية بعد أن يطفيء الله نار الحرب –وندعو الله أن يكون ذلك قريبا- فبأي وجه تستطيع أن تواجه المواطن السوداني في كل مكان بعد صمتها المهين أو نطقها الأكثر اهانة؟
بكل يقين هذه المجموعات السياسية تغامر بمستقبلها السياسي، وسيكون مذهلا أن تكون القوى التي شاركت في قيادة الثورة ضد الدكتاتورية حتى انتصرت ثورة الشعب أن تجد نفسها في وضع سياسي أدنى كثيرا من النظام السياسي الذي أسقطته.. النظام الذي يقاتل أنصاره الآن جنبا إلى جنب القوات المسلحة في الوقت الذي اختار الآخرون أن يرجموا الجيش بالحجارة في أسوأ توقيت و ظرف..
من الصعوبة بمكان أن تجد “تقدم” عبارات تبرر بيانها الأخير، فمهما دبجت البيانات فالواقع أكبر مرارة من أن تغسله البيانات الخجولة.