حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : حوارات “العهن المنفوش”..
حوارات لا تنقطع على مدار الساعة، في مختلف الأرجاء الاثيرية، و الفضاءات المباشرة في المناسبات الاجتماعية و الندوات وورش العمل والمؤتمرات.. تنتهي كلها إلى لا شيء.. تختلف المقامات والألقاب و مناسيب الاستنارة وتتفق في حقيقة واحدة صلدة صماء لا تتغير مهما تغيرت الأيام واختلفت تضاريس الأحداث، حقيقة واحدة هي أن الطبقات المتعلمة في السودان (فشلت تماما في صناعة مشتركات).
ولو كانت هذه الحقيقة (الفشل في صنع المشتركات) ناتجة عن وعورة تضاريس الخلافات، وتباعد المسافات لكان ذلك مبررا موضوعيا، لكن المصيبة أن الفشل هنا ناتج من ميكانيزم الحوار الدائري في لا شيء علاوة على التقوقع خلف الشعارات الهوائية منزوعة الفعل المنتج.
و الذي يحير؛ أن الفئات السودانية المتعلمة تتوهم أن ما يدور في الفضاءات من حوارات بينها هو ضرب من الاستنارة والفهم و الفخامة، بينما هو في الحقيقة مجرد عهن منفوش من الحوار الذي لا ينقصه سوى نقطة فوق حرفه الأول ليصير “الخوار”.
خطورة هذا الواقع؛ أنه المبرر الأقوى الذي استخدمته القوة العسكرية في حيثيات “البيان رقم واحد” لكل دورات التاريخ السياسي المعاصر الذي تعاقبت فيه الانقلابات مع الثورات، كانت دائما خلافات القوى المدنية هي الفرس الذي تمتطيه الحقب العسكرية التي حكمت السودان، راجعوا “البيان رقم واحد” من لدن الجنرال ابراهيم عبود إلى آخر انقلاب في 25 أكتوبر 2021، ستدهشكم تطابق الحجج وحتى العبارات رغم كونها تعبر عن خلفيات و أيديولوجيات متباينة تماما.
الأن والسودان يواجه أفجع واقع سياسي دموي لم يترك مواطنا ألا أصابه مباشرة في نفسه أو ماله أو أهله أو بيته أو ممتلكاته أو عرضه، لا يزال الحوار السياسي بين القوى المدنية المنظمة أو المجتمعية، مجرد “طق ذهني” بلا هدف، و تظل الحقيقة هي “الفشل في صنع المشتركات” التي تغير الواقع.
ليس مطلوبا من الجميع أن يتفق مع الجميع، لكن بالضرورة لابد أن يتفق الجميع مع الجميع على قدر من المشتركات تمثل الأساس الذي تبنى فوقه الوسائل والمسارات المفضية لتحقيق الأهداف.. الأهداف التي بالضرورة يجب أن تكون محل اتفاق الجميع..
هل يختلف أحد على أن السودان دولة مستقلة ذات سيادة و مستقبل يجب أن يكون لصالح الجميع؟ هل يختلف أحد على أن استقرار وازدهار السودان أمر يجب أن يتحقق وبأسرع وقت ممكن؟
هذه الأهداف وحدها يجدر أن تصنع “المشتركات” بين السودانيين بغض النظر عن اختلافاتهم وخلافتهم الأخرى في كل الاتجاهات.
لماذا لا ينجح السودانيون في صناعة “المشتركات”؟ هذا سؤال يجب أن يجد الاجابة من كل المتحاورين في وسائط التواصل الاجتماعي أو في المؤتمرات او ورش العمل أو غيرها من المحافل.