حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : السؤال الأول..
الصورة بدت مازحة و ساخرة للبعض..رغم أني جاد وأقصد فعلا الحاجة الماسة لانتاج جيل جديد من السياسيين.. طرحت قبل يومين سؤالا في صفحتي بـ”الفيسبوك”، وضعت صورة لسوق أمدرمان وقد دمرته حرب 15 أبريل 2024 ، و صار أطلالا على رأي الفنانة أم كلثوم :
اسقني و اشرب على أطلاله… واروي عني طالما الدمع روى.
ووضعت السؤال لاختبار قدرات الراغبين في الانتساب للقطاع السياسي، لا يهم في أي حزب أو حتى بدون حزب، بل المقصود كل من يأنس في نفسه الكفاءة والقدرة ليكون لاعبا في الملعب السياسي..
صورة سوق أم درمان المدمر المحترق مطلوب توضيح كيف نتعامل مع أطلال السوق بعد الحرب؟
ووضعت ثلاث خيارات لتختار منها الاجابة:
الأول: ازالة الأنقاض والاستفادة من مساحته الواسعة و موقعه الفريد في قلب أمدرمان لتشييد أبراج سكنية مثلا أو أي مشروع آخر.
الثاني: اعادة ترميم السوق واصلاح ما لحقه الدمار وصيانة المتداعي حتى يعود إلى العمل كسابق عهده قبل الحرب.
الثالث: أي خيار آخر..
تلقيت عشرات الاجابات غالبيتها لم يقترب من الحل، ولكن البعض كاد يلامس الاجابة الصحيحة دون ان يمسك بها..
و هنا اشرح السؤال وأضع الاجابة النموذجية :
الفكرة من السؤال هو اختبار قدرة المتقدم لعضوية القطاع السياسي على فهم مهامه وكيف التعامل معها..
في هذا السؤال مطلوب أولا : تشخيص المشكلة، ثانيا: تقديم الرؤية الأساسية التي يستند عليها علاج المشكلة، ثالثا توضيح طرق تمويل المعالجة و رابعا خطوات المعالجة التنفيذية.
نبدأ الشرح بالترتيب..
أولا: التشخيص، المسألة هنا سياسة واقتصادية وهندسية و ثقافية واجتماعية، تتطلب تحديد العلاقات بين كل هذه المفردات حسي وظائفها في الحل.
سوق أمدرمان ليس مجرد أي عمران، بل هو موقع خدمي اقتصادي وثقافي واجتماعي تاريخي، وعليه لا يمكن محوه من الوجود لكونه مرتبط بالتاريخ والتراث والثقافة والمجتمع، وفي المقابل فإن اعادة بنائه يجب أن يجمع كل هذه الخصائص.
لكن قبل هذا يجب أن تستند فكرة اعادة البناء على مزيج من الرؤية السياسية والمجتمعية والتصميمات الهندسية..
ثانيا : الرؤية: تشييد سوق متحضر عصري يحمل السمات التراثية التاريخية الثقافية المجتمعية التي كان يمثلها قبل تدميره، ففيه محلات تراثية وأخرى تجارية متخصصة لمصنوعات و مبيعات شعبية وغيرها. يترك التصميم والتنفيذ كاملا تحت اشراف وزارة التخطيط العمراني دون أي تدخل سياسي، على أن تختار الوزارة عبر التنافس المفتوح بيت خبرة وطني او أجنبي رفيع المستوى و له سابق انجازات مناظرة لتصميم السوق بشكله الجديد.
ويجب أن يحتوي السوق على مساحات خضراء وخدمات حيوية للجمهور بجانب مناطق الترفيه والانتظار مثل المقاهي و ملابع للأطفال و مقر للشرطة و غيرها من الوحدات الحكومية ذات الصلة.
يراعى في التصميم أن يستوعب كل النشاطات التي كانت فيه مع اضافة أخرى حديثة، و تخصيص أماكن للمشاة فقط. وربطه بخطوط النقل والمواصلات.
ثالثا: التمويل : وهو أهم جوانب الفكرة، يترك لوزارة التخطيط العمراني تحديد أفضل الطرق للتمويل بأي من النظم المعروفة، مع الالتزام بالتالي:
1- ضمان استلام كل التجار والمستثمرين لنفس محلاتهم السابقة أو أفضل منها دون أي تكاليف اضافية.
2- تسليم المواقع التجارية الجديدة في زمن لا يتعدى ثلاثة أشهر، بكامل الخدمات المتصلة بالسوق.
3- يسمح للجهة الممولة الاستفادة من المساحات والمباني الاضافية التي تنتج وفق خارطة التصميم التي يعدها بيت الخبرة.
من الممكن تحويل سوق أمدرمان لأسواق ذات طابع تراثي تاريخي ولكن بأرقى تصميم معماري وخدمات عصرية في المرافق الصحية واماكن الصلاة ومساحات الترويح الخضراء وملاعب الأطفال ومناطق لايقاف السيارات. كل هذا دون ان يدفع التجار الذين لديهم محلات في السوق أي تكاليف ، لأن المستثمر الذي يشيد أو يمول تشييد السوق سيستعيد استثماره وأرباحه من المساحات الاضافية في الأسواق.
الفكرة يمكن تعميمها بعد ذلك على أسواق بحري “سعد قشرة” والخرطوم.