حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب :معركة مقر الاذاعة والتلفزيون..
مقر الإذاعة السودانية “هنا أمدرمان” والتلفزيون القومي ظل عبر التاريخ مكان معارك عسكرية تجرها الانقلابات التي لا تنجح إلا إذا سيطرت على الإذاعة لتبث “البيان رقم واحد”.. وفي التاريخ المعاصر عدة معارك جرت في بوابات الإذاعة أو حتى داخلها.. لكن ما حدث أمس كان مختلفا تماما.
في صباح السبت 15 أبريل 2023 يوم انفجار حرب الخرطوم، لم يكلف احتلال مقر الاذاعة والتلفزيون قوات الدعم السريع طلقة واحدة.. فهي كانت تحرس الموقع منذ نجاح ثورة ديسمبر في الاطاحة بالنظام السابق..
شخصيا كنت أشارك في بعض الحوارات بقناة النيل الأزرق وتلفزيون السودان واحيانا تكون ليلا، فأقف في الحاجز الأمني لقوات الدعم السريع أمام الاذاعة وابرز بطاقتي ليسمح لي بالمرور.. وكان وضعا طبيعا بحكم كونها قوات لدعم الجيش.
و خلال الشهور الطويلة الماضية ظل الحديث يتردد كثيرا في وسائط التواصل الاجتماعي عن استعادة الجيش لمقر الاذاعة والتلفزيون، وكان الرد دائما من جانب الدعم السريع بث مقاطع فيديو تثبت العكس.
عشرات المرات تبنت الوسائط الاعلامية خبرا عن استعادة الموقع فمؤشر الترقب الشعبي أوضح الأهمية العالية له، فهو لا يمثل مقرا لأقدم جهازين اعلاميين فحسب بل ولأنه رمزا سياديا ترتبط به أفئدة السودانيين.
وبقدر ماكان الشعب يتوق لاستعادة مقر الاذاعة والتلفزيون كانت الهواجس والمخاوف كبيرة من تعرضه للدمار فيطيح بأرشيف لا يقدر بثمن من المواد والأفلام الاعلامية القديمة،
و سبق لي زيارة مكاتب الأرشيف و رأيت بنفسي بعض المواد الاعلامية التاريخية، التي لو ضاعت لأهدرت عمرا وطنيا نفيسا.
استطاع الجيش بخبرته وتكتيكاته الذكية ابعاد المعركة عن أسوار الاذاعة، في أفضل موقع يجنب المنطقة التي تكثر فيها المباني الأثرية الدمار المؤكد، وانتصر الجيش مرتين، واحدة لكونه استعاد الموقع والأخرى لكونه حقق ذلك بلا دمار، بل وبلا خسائر بشرية أو مادية تذكر.
من المؤكد ان معركة الاذاعة يمتد أثرها لكامل المشهد، عمليا تعني بداية النهاية لأسوأ كارثة دمرت السودان، فهي نقطة تحول حقيقية رفعت الروح المعنوية للشعب واستعادت ثقته في نفسه وبات النظر لباقى الطريق مجرد مسألة وقت، و وقت قصير جدا.
و يظل السؤال المهم الذي يجب أن يجد الاجابة الآن، ثم ماذا بعد ان تضع الحرب أوزارها؟
هذا السؤال يجب أن يجد الاجابة الآن.