انقطاع الاتصالات يعيد السودانيين لعصر الرسائل الخطية
أجبر توقف التطبيقات البنكية كثيراً من المواطنين السودانيين على إرسال المساعدات المالية إلى ذويهم في أظرف ورقية.
مع توقف خدمات الاتصالات والإنترنت في ولايات كردفان ودارفور والجزيرة لأكثر من ثلاثة أسابيع، عادت الرسائل المكتوبة باليد لتصبح وسيلة التواصل الوحيدة لمعرفة الأخبار والاطمئنان وتبادل المعلومات، لكن هذه الرسائل لا يحملها ساعي بريد كما جرت العادة في الماضي، وإنما ينقلها سائقو الباصات والمركبات والحافلات.
وأجبر توقف التطبيقات البنكية كثيراً من المواطنين على إرسال المساعدات المالية إلى أهلهم وذويهم في ظرف ورقي بعد كتابة اسم المرسل والمرسل إليه وعنوانه وجملة المبلغ وتسليمها لمكاتب السفر أو لسائقي الحافلات والباصات من أجل تسليمها باليد إلى الأقارب والأسر.
خيارات وبدائل
محمد سالم، أحد الموجودين في مدينة كوستي جنوب السودان، اعتبر أن “دخول قطاع الاتصالات ضمن أدوات الحرب من قبل الأطراف المتحاربة يمثل انتهاكاً للقوانين الدولية ويفاقم المعاناة، ويهدد حياة المواطنين المعتمدين بشكل أساس على التطبيقات البنكية في تصريف شؤون حياتهم اليومية في ظل خروج معظم البنوك عن الخدمة”.
وأضاف أنه وجد صعوبات بالغة في التواصل مع أسرته التي تقيم في مدينة الأبيض جنوب الخرطوم، واضطر إلى كتابة رسائل (جوابات) ثلاث مرات بواقع واحد كل أسبوع من أجل معرفة أحوال أهله والاطمئنان عليهم، واستعان بسائقي الباصات لإرسالها إليهم في مقابل دفع مبلغ مالي.
وأوضح سالم أن “الرسالة تصل إلى الشخص المعني في اليوم الثاني من وصول الباصات إلى وجهتها، لكن الرد يأتي بعد أسبوع كامل عبر جواب بخط اليد بعد جمع وصايا ومطالب أفراد الأسرة كافة، ووجود وسيلة نقل أو أحد المسافرين الآتين إلى ولاية النيل الأبيض”.
وتابع المتحدث، “عائلتي تعتمد عليّ بصورة رئيسة في تلبية حاجاتها المعيشية من غذاء ودواء، وكنت أحرص على تحويل الأموال عبر تطبيقات البنوك بصورة مستمرة، لكن توقف خدمة الإنترنت اضطرني إلى الاستعانة بالأظرف الورقية ووضع المال داخلها وإغلاقها بطريقة محكمة، ومن ثم كتابة اسم المرسل إليه والمبلغ وتسليم الظرف لمكاتب السفر”.
صعوبات عدة
إلى ذلك صار تبادل المعلومات عن أحوال الأسر ومعرفة الأخبار أكثر صعوبة في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، بخاصة بعد توقف خدمات الاتصالات والإنترنت في الإقليم منذ مطلع فبراير (شباط) الجاري.
الفاتح مبارك، أحد الموجودين في مدينة القضارف شرق البلاد، قال إنه ظل 21 يوماً بلا أخبار عن عائلته الموجودة في منطقة فداسي، وبات قلقاً عليهم في ظل تزايد انتهاكات المجموعات المسلحة في مدن وقرى الولاية.
وأضاف مبارك أنه اضطر إلى كتابة رسالة خطية للاستفسار عن أحوال ذويه، وقام بإرسالها مع صاحب حافلة لكي يوصلها إلى أسرته، وتلقى رداً بعد ثلاثة أيام من شقيقه يطمئنه على أهله مع ذكر عدد من الوصايا والمطالب.
وواصل القول، “توقف خدمة الإنترنت في منطقة أسرتي زاد من معاناة المواطنين الذين يعتمد غالبيتهم على التطبيقات البنكية، ونظراً إلى صعوبة الأوضاع لجأت للأظرف الورقية لحل أزمة إرسال المبالغ المالية، واستعنت بمكاتب السفر لإيصال المساعدات لعائلتي”.
انتعاش سوق الأظرف
الطاهر جبريل، وهو صاحب إحدى المكتبات في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، قال إن “انقطاع الاتصالات أعاد المواطنين في الإقليم لكتابة الرسائل الخطية لمعرفة أحوال الأهل، خصوصاً بعد توقف خدمة الشبكات”.
وأشار جبريل إلى أن “الطلب على الأظرف الورقية تزايد بصورة ملحوظة بعد عقود من الزمان، وبات كثير من السكان يعتمدون على هذه الوسائل في التواصل وتبادل المعلومات وإرسال المساعدات المالية بصورة مستمرة”.
وتابع المتحدث، “منذ أسابيع عدة يتوافد إلى المكتبة عدد كبير من الناس لشراء الأظرف الورقية من أجل كتابة الرسائل وإرسال الأموال إلى أسرهم في مدن ومناطق ولايات دارفور التي لم تعد تتمتع بخدمات الاتصالات والإنترنت”.
مفردات ومشاعر
الباحث الاجتماعي حسام عبادي اعتبر أن “توقف خدمة الاتصالات والإنترنت لديها تداعيات كارثية على المواطنين باعتبارها وسيلة التواصل بين الأسر، فضلاً عن استخدامها في تدابير الحياة من خلال تلقي المساعدات المالية عبر تحويلات التطبيقات البنكية للموجودين في مناطق الحرب”.
وأضاف أن “الوضع الحالي أعاد عدداً من السودانيين لعصر قديم للغاية، وبات كثير من المواطنين يترقبون رسالة من ابن أو شقيق أو حبيب، تعقبها لحظات من الفرح بتسلم الخطاب لمعرفة الأحوال والاطمئنان وتبادل المعلومات”.
وأوضح عبادي أن “الأظرف الورقية أسهمت في حلحلة مشكلات تحويلات النقود، إذ ترسل بواسطتها المساعدات المالية للأسر من طريق الباصات السفرية والحافلات بصورة مستمرة، على رغم تعثر وصولها وتسلمها مقارنة بتحويلات التطبيقات البنكية”.
ولفت الباحث الاجتماعي إلى أن “الرسائل المكتوبة تحوي قدراً كبيراً من المفردات التي تعكس تدفقاً للمشاعر في ظل ظروف الحرب، فضلاً عن الشغف وانتظار الجوابات لأيام عدة، علاوة على المشاعر الفياضة التي تصاحب كتابتها أو الرد عليها من دون التأثر بواقع ومآسي الصراع المسلح”.
عثمان الأسباط – اندبندنت عربية