عمار العركي يكتب: زيارة البرهان والدور المصري غير المرئي
1. الوصف الصحيح لزيارة البرهان (مصر) انها تأتي في إطار الدور المصري الإستراتيجي ( غير المرئي) والمحسوب بدقة وحذر شديدين لترتيب وتشبيك وتربيط ملف السودان الذي ظلت تمارسه مصر (ولا زالت) بدافع مصيري مشترك ( كون السودان هو النصف الآخر الإستراتيجي لمصر).
2. (دور مصري) ، لا يراه بعض من عديمي الرؤية والفهم الحقيقي لطبيعته مما جعل البعض في مصر يعتقد انها (فرطت في نصفها التحتاني).
3. كذلك الرؤية السودانية القاصرة تعتقد أن مصر (أجحفت وتعسفت) في حق السودان والسودانيين ، وضُربت الامثلة بالافرازات السالبة للحرب على مصر جراء تعاظم وتنامي الوجود السوداني في مصر .
4. ( الامن القومي المصري خط أحمر) عبارة استراتيجية سارت عليها والتزمت بها كل الانظمة التي حكمت مصر بشكل لا يقبل (المجاملة) ، رغم ذلك ومن قبل الحرب استقبلت مصر الوجود السوداني رغم الافرازات السالبة على امنها القومي.
5. وعندما تضاعف الوجود السوداني بعد الحرب وتضاعف معه تهديد امن مصر الداخلي اتخذت مصر من الاجراءات التي تصون وتكفل لها حماية أمنها الداخلي (المُستهدف أصلا) توازياً مع استمرار الوجود السوداني وعدم قفل الباب امام أفواج القادمين الجُدد من السودانيين (بالدرب العديل او التهريب).
6. وبعدم ادراك ووعي وفهم لحساسية الدور المصري الذي رفض وقاوم الإغراءات و الضغوطات الكبيرة – المضاعفة لتلك التي وُجهت ومُورست على دول أخري فخضعت وتورطت – اعتقد البعض ان مصر خالفت اتفاقية الحريات الاربعة وان مصر تتكسب من معاناة السودانيين وانها تصطاد في المياه العكرة. وانها…… الخ .
7. لا ننسي ان (مصر) ومنذ التوقيع على الاتفاقية في عهد (مرسي) كانت هناك العديد من التحفظات المصرية، وعند مجيء حكومة السيسي- ومن حقها – اتخذت تلك التحفظات شكل موقف رسمي وصريح بضرورة مراجعة الاتفاقية ومناقشتها.
8. منذ ذلك الوقت وقبل الحرب وبسبب التحفظات التي لم تُراعى، لم تلتزم (حكومة السيسي) في الحاضر السياسي بكامل بالتطبيق للاتفاقية التي تمت في ظل حكومتي الماضي السياسي (مبارك و البشير)، ودارت نقاشات كثيرة حول مطالبة سودانية للتطبيق الكامل مع مبررات مصرية بضرورة المراجعة والتعديل للاتفاقية.
9. كذلك لا ننسى انعكاس التنافس والتقاطعات المكتومة بين حلفاء مصر (الامارات والسعودية) ومصالحهم في السودان على حساب المصالح المصرية الاستراتيجية ، لذلك درجتا على ادارة ملف السودان بمنأى عن مصر الأولى والأحق بإدارته ، او على الأقل مراعاة مكانتها ومصالحها في السودان عند أي تدخلات وتسويات الاوضاع في السودان الأمر الذى لم يوضع فى الإعتبار منذ تفاعلات الوثيقة الدستورية والبعثة الأممية و الرباعية او الثلاثية وصولاً لمنبر جدة.
10. سبق للقنصل المصري بالخرطوم “احمد عدلي” ، وفي نهاية خدمته بالسودان ان صرح “لمركز عنقرة” عند حفل وداعه وقال ” ان بعض الجهات الإقليمية والدولية تنظر لعلاقاتنا بالسودان بعين الحسد ، والسودان خط أحمر ، لايمكن لأي جهة ان تقارن علاقتها بالسودان بمثل علاقة السودان ومصر” انتهى الكلام.
*خلاصة القول ومنتهاه:*
11. ظلت مصر ومن خلال ثقلها السياسي والإقليمي التاريخي وبمخابراتها ممسكة بكل كروت اللعب في السودان ونتيجة لطبيعة العلاقة وفهمها وقراءتها الصحيحة لحقيقة الأوضاع ، منذ بداية التغيير في السودان احتفظت بعلاقات جيدة مع كل مكونات المشهد السياسي والعسكري السوداني حكومة كانت أم معارضة ، و بالجيش السوداني او الحركات المسلحة.
12. مصر ظلت ( ولا زالت ) ممسكة بكل مفاتيح الحل ، ولكن العقبة الوحيدة في طريقها هى نفوذ ( التدخلات الخارجية والإقليمية ) ، والذين يديرون ملف السودان بعيداً عنها وبصورة لا ترتضيها ، فكان لابد لمصر ممارسة “دورها وحقها” السياسي والاستراتيجي في ملف السودان (نصفها الآخر) دون المساس بعلاقاتها ومصالحها مع حلفائها وأصدقائها النافذين والمسيطرين على الملف.