حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : السياسة الأمريكية في السودان.. خطأ فادح..

وزارة الخارجية الأمريكية اصدرت نشرة اعلامية سردت فيها نشاطها الدبلوماسي بأديس أبابا خلال القمة الأفريقية، وقالت :

شاركت مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية “مولي في”، برفقة مساعد مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لأفريقيا موند مويانغوا، والمبعوث الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر والسفير لدى السودان في لقاءات مع القوى السياسية والمجتمعية السودانية.

حيث (عقد السفير جون جودفري سلسلة من الاجتماعات ركزت على معالجة الصراع المستمر والأزمة الإنسانية في السودان.

وركزت تعاملاتهم بشأن السودان على وقف الصراع، وتسهيل المساعدات الإنسانية، ورفع مستوى المدنيين المؤيدين للديمقراطية الذين يعملون للدفاع عن الشعب السوداني والاستعداد لحكم ما بعد الصراع. طوال اجتماعات الوفد، أكد مساعد وزير الخارجية في أن إنهاء الصراع في السودان واستعادة الحكم المدني هما من الأولويات القصوى للولايات المتحدة).

واضاف البيان (… كما التقى مساعد وزير الخارجية فاي بأعضاء جبهة التقدم المؤيدة للديمقراطية وشجع على زيادة تنويعها لتمكين المدنيين السودانيين من التحدث بصوت أكثر وحدة.

في الدعوة إلى تسهيل المساعدات الإنسانية، وإنهاء القتال، وإعادة الحكم إلى المدنيين بعد الصراع).
وبعد يوم واحد من هذا البيان صدرت تصريحات للسفير الأمريكي بالخرطوم، من مقره المؤقت في أديس أبابا طالب فيها النظر إلى “اليوم التالي” بعد انتهاء الحرب، وضرورة تشكيل الخارطة السياسية التي تقود السودان لتجاوز أثار الحريق و فتح الباب لمستقبل زاهر للسودانيين.

الموقف الأمريكي في تقديري مهم لكون أمريكا تملك كثيرا من المفاتيح وأدوات التأثير على المشهد السوداني، لكن في ظل غياب الرؤية الواضح لدى الادارة الأمريكية في التعامل مع الملف السوداني عامة وقضية الحرب خاصة

لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية مساعدة السودانيين في تجنب الحرب قبل اندلاعها ولا تعجيل اطفاء نيرانها بعد انفجارها.. و ذلك ناتج من ضعف قراءة أميريكا للواقع السياسي السوداني و ربما لاعتمادها على توصيفات خاطئة من اللاعبين السياسيين السودانيين.

بالنظر لما قاله السفير الأمريكي “قودفري” فإن التعامل مع “اليوم التالي” يتطلب ادراك عميق للأزمة السودانية و مطلوبات معالجة جذورها ووضعها في المسال المفضي لمستقبل آمن.

للأسف الجانب الامريكي لا يزال يعتبرها أزمة مكونات سياسية متصارعة حول كرسي الحكم، وان كان في ذلك فعلا بعض الحقيقة لكنها وصفة ناقصة لا تمنح القدرة على الحل.

الحقيقة، والتي لا تقال للسفير الأمريكي من مصادر الرأي والنصيحة، أن الأزمة في الملعب السياسي نفسه وليس اللاعبين وحدهم.

الملعب السياسي السوداني يعاني من شروط وقوانيين اللعب، يستطيع أي من يتوهم القدرة في نفسه أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى فاعل مرفوع عنه القلم.. فيمتليء الملعب باللاعبين الذين يركلون الكرة حيث ما اتفق دون هدف محدد.

من الحكمة أن يبدأ السفير الأمريكي بالبحث عن الأهداف قبل الهدّافين.. والأهداف هي بالضرورة بناء مستقبل آمن ومشرق للأمة السودانية.

يتحقق هذا الهدف كلما انحصرت أدوار اللاعبين السياسين في أضيق مساحة فتفسح لبقية فئات المجتمع السوداني حرية أكبر في المشاركة في صناعة القرار والمستقبل.

تصميم دولة السودان المقبلة على أساس تحديد تفويض الفاعلين السياسيين في المجال السيادي فقط بعيدا عن أية أدوار مباشرة في الادارة.
حصر التنافس السياسي في المناصب السيادية مع ترسيم دقيق لحدود صلاحياتها التنفيذية لتوسيع فضاء شراكة فئات المجتمع كافة في القرار..

مثلا..
في السلطة التشريعية، البرلمان؛ ابتكار منهج التوزيع الفئوي – وليس السياسي- لمقاعد البرلمان، مثلا، توزع المقاعد للقانونيين-الدبلوماسيين– المهنيين- القوات النظامية- المغتربين- اساتذة الجامعات- المزارعين والرعاة – وهكذا.. على أن ينحصر التنافس السياسي الحزبي في هذه الكليات، ليصبح النواب ممثلون لقطاعاتهم الفئوية حتى و لو وصلوا إلى الموقع بأصوات أحزاب سياسية.

ويستلزم ذلك تعديلات تشريعية تمنح الخدمة المدنية القرار الأعلى بدلا عن القطاع السياسي.. فيصبح وكيل الوزارة هو أعلى درجات القرار وليس الوزير..

باختصار .. مطلوب افراغ السياسة من جاذبتها التي تجعل الحروب والدماء مهرا لها..

مقالات ذات صلة