الجنيه السوداني يفقد نصف قيمته أمام الدولار تحت وطأة الحرب
سجل 1200 للدولار من 600 في أبريل الماضي مع توقف 70 في المئة من المصارف
شكلت الحرب الدائرة في السودان منذ 10 أشهر ضربة قاضية للاقتصاد السوداني الذي كان مستنزفاً بعد سنوات من الحروب والعزلة، مع استمرار إغلاق المصارف، وتوقف حركة الاستيراد والتصدير وانهيار قيمة العملة المحلية.
واندلعت المعارك في البلاد في أبريل (نيسان) الماضي، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وخلفت الآف القتلى بينهم ما بين 10 و15 ألف قتيل في مدينة واحدة في إقليم دارفور (غرب)، وفق تقديرات مراقبين من الأمم المتحدة، وأدى القتال إلى نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني داخل البلاد وإلى دول الجوار.
خزن رجل الأعمال السوداني أحمد الخير (اسم مستعار) الذي يعمل في تصدير الصمغ العربي قبل الحرب، كمية كبيرة من الصمغ جنوب الخرطوم من أجل تصديرها.
ويقول لوكالة “فرانس برس”، “دفعت لإخراج كمية الصمغ من العاصمة أموالاً كثيرة لأفراد من قوات الدعم السريع، وعند وصولي إلى منطقة سيطرة الحكومة طُلب مني دفع رسوم أخرى”.
تحمل أحمد الخير هذه الرسوم من أجل نقل بضاعته إلى مدينة بورتسودان في الشرق حيث الميناء الوحيد العامل في البلاد، ويقول “طلبت مني السلطات المحلية في بورتسودان رسوماً جديدة، كما تضاعف إيجار المخازن ست مرات”.
ويُستخلص الصمغ من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا، وهو مستحلب ذو أهمية كبيرة يُستخدم في صناعات شتى، من المشروبات الغازية إلى العلكة مروراً بالمستحضرات الصيدلانية.
والسودان في صدارة البلدان المنتجة للصمغ، ويستحوذ على حوالى 70 في المئة من تجارته العالمية، بحسب الوكالة الفرنسية للتنمية.
وعلى ارغم كل هذه الكلفة وإيصال البضاعة إلى المدينة السودانية المطلة على البحر الأحمر، لم تكف أموال رجل الأعمال السوداني لإتمام عملية التصدير، ويقول “لم أستطع تصدير الصمغ حتى الآن”.
وأفاد تقرير لهيئة الموانئ السودانية عن تراجع حجم الصادرات والواردات في العام 2023 بنسبة 23 في المئة مقارنة بالعام السابق له.
رفع الدولار الجمركي
ولا تتوقف التعقيدات عند هذا الأمر، إذ زادت معاناة المصدرين بشكل عام إثر قرار من وزارة المالية السودانية برفع قيمة “الدولار الجمركي”، أي مؤشر تعرفة الجمارك في حال تذبذب أسعار الصرف، ليسجل 950 جنيهاً للدولار بدلاً من 650 جنيهاً.
ويقول الرئيس السابق للغرفة التجارية السودانية الصادق جلال “هذا القرار بمثابة تدمير للاقتصاد”.
وانخفضت قيمة العملة المحلية السودانية إزاء الدولار الأميركي منذ اندلاع الحرب ليسجل سعر صرف الدولار حالياً 1200 جنيه مقابل 600 جنيه في أبريل الماضي.
وأدت الحرب إلى توقف 70 في المئة من فروع المصارف في مناطق القتال، بحسب تقرير لبنك السودان المركزي، و”نُهبت ممتلكات وأصول وموجودات البنوك”
ويقول المحلل الاقتصادي السوداني محمد شيخون “الحرب زادت من قتامة وضع القطاع المصرفي السوداني الذي يعاني بالفعل من مشكلات هيكلية”.
لا موازنة للعام الثاني
وللعام الثاني على التوالي، لا تقر موازنة الدولة في السودان، ويرى المحلل الاقتصادي هيثم فتحي أن ما يحدث “يعكس الغياب التام للدولة السودانية، ما يؤثر على الاقتصاد بكل قطاعاته”.
وأفاد صندوق النقد الدولي في تقرير الشهر الماضي بأن “الصراع في السودان أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وتوقف النشاط الاقتصادي في أجزاء كبيرة من البلاد، ما أسهم في استمرار معدلات النمو السالبة، عقب الانكماش الحاد الذي شهده عام 2023”.
وتوقعت المؤسسة المالية الدولية انكماش اقتصاد السودان لعام 2023 بنسبة 18 في المئة.
ومع توسع الحرب الى ولاية الجزيرة في وسط السودان، والتي تضم أحد أكبر المشروعات الزراعية في القارة الإفريقية على مساحة مليوني فدان، تراجعت المساحة الزراعية في البلاد لتصبح المحاصيل المزروعة تغطي مساحة 37 في المئة فقط من إجمالي الأراضي المهيئة للزراعة، بحسب تقرير أعده مركز “فكرة” السوداني للدراسات والتنمية.
ويقول المحلل الاقتصادي السوداني محمد الناير “امتداد العمليات العسكرية إلى ولاية الجزيرة أثر على الإنتاج الزراعي في البلاد”.
وحذّر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الأربعاء الماضي، من أن الحرب في السودان دفعت البلاد إلى “شفير الانهيار”، إذ تعاني الغالبية العظمى من السكان من الجوع.
وقال مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان إيدي رو لصحافيين في بروكسل “في هذه المرحلة، أقل من خمسة في المئة من السودانيين يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم”.
اندبندنت عربية