حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : أغبي سؤال..
الفيديوهات التي تناقلتها الوسائط لسوق أمدرمان تؤكد أنه سُوِي بالأرض تماما، لم يعد إلا منطقة أشباح بائسة محطمة.. وبكل أسف فقد التجار ما يملكون من بضائع وسلع وأموال سائلة وحتى جدران محلاتهم ما عادت صالحة، كارثة بكل ما تعني الكلمة من معنى، أن يجتهد مواطن سوداني في تأسيس أعماله على مدى سنوات سكب فيها كل عرقه و أماله وآلامه ثم تأتي ريح صرصر عاتية بعد 15 أبريل 2023 لتأتي على كل ما حصده وتجعله قاعا صفصفا..
من الحكمة لأمثال هؤلاء التجار أن يعودوا بأسرع وقت إلى أعمالهم حال انتهاء العمليات القتالية في منطقة السوق، حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها. صحيح قد لا يكون عمليا أو متاحا اعادة البناء حاليا لكونها منطقة لا تزال في فوهة المدافع حتى ولو من على البعد، لكن الأصح أن البناء على الورق لا يتأثر بالأوضاع الراهنة، ولا يمكن انتظار نهاية الحرب لتبدأ أفكار اعادة التعمير، سيكون ذلك وبالا على الجميع، على التجار الذين ينتظرون لحظة استعادة نشاطهم، و على المواطنين عامة لأنهم اما عاملون في هذه المؤسسات التجارية أو منتفعون من نشاطها التجاري مباشرة أو بصورة غير مباشرة.
وفي سياق خطة اعادة التعمير اقترح أن يوكل منذ الآن لبيوت خبرة اعادة تخطيط سوق امدرمان على نسق حديث، يستفيد من التراث القديم والروح التاريخية التي تسكنه مع اضافات حديثة تمثل روح العصر الذي لابد أن تنتقل إليه الأسواق السودانية التي في غالبها متخلفة و ضيقة و متسخة و لا تدعو للفخر أمام العين الأجنبية.
مثلا… بالامكان تشييد أكثر من “مول” حديث يستوعب أعدادا كبيرة من المحلات التي كانت تنتشر أفقيا وتستحوذ على مساحات كبيرة تهدر فرص الشوارع الحديثة الجميلة و مواقف السيارات والحدائق الخضراء و غيرها من مطلوبات الأسواق.. فأسواق اليوم ليست مجرد محلات للبيع والشراء، بل للمتعة والتنزه و التنفس والتلاقي الاجتماعي.
تشييد ثلاثة مولات ضخمة يمكن أن يوفر محلات حديثة للذين تدمرت أعمالهم في سوق أمدرمان، بينما تتاح فرصة لمحلات تاريخية متخصصة في المعروضات التراثية التقليدية والمقاهي والمطاعم الحديثة التي تجذب مزيدا من المتسوقين و تزيد من فرص أرباحهم..
أتوقع أن يكون السؤال البديهي ومن أين يتوفر التمويل الكافي لتنفيذ هذه الأفكار، وبصراحة، ومع الاعتذار سيكون ذلك أغبى سؤال!
ألف شركة وشركة تطوير عقاري ستتنافس لاقامة مثل هذه المشروعات دون أن تكلف الحكومة جنيها واحدا ودون أن تطالب التجار أصحاب المحلات التي تدمرت أيضا بأية دفعات مقدما.. كل الفكرة أن أصحاب المحلات سيكونوا شركاء بأنصبتهم في الأرض و شركاء في المكسب من عوائد تشييد سوق أمردمان لكونه يستوعب مزيدا من الأعمال والمحلات..
من الحكمة أن نحول المحنة إلى منحة.. نعيد بناء العاصمة بآخر ما توصلت إليه حضارة المستقبل وليس الحاضر.