حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب.. طلب بـ”وصاية دولية” على السودان..
نشرت صحيفة “التيار” مقالا قصيرا للبروفسير مهدي أمين التوم عبر فيه عن حسرة كبرى على الدماء التي تسيل والدمار الشامل في الوطن وفي ختامه طالب بـ(وصاية دولية) على السودان لـ(يبقى السودان، وطنا و أهلا، حيا و ميراثا لإنسانية و حضارة بدأت هنا في ربوعه ولا تزال بصماتها تتكشف لنا و للعالم من حولنا).
و البروفسير مهدي أمين التوم قامة وطنية معروفة و استاذ جامعي مرموق لا تنقصه الحكمة ولا الرأي السديد، فإذا بلغ به المقام أن يطالب بـ(وصاية دولية) فهذا مؤشر للحالة الخطيرة التي وصل إليها الحال في بلادنا.
بروف مهدي وعلى مدى سنوات لم يكف عن تقديم المقترحات والرأي والمشورة في كل منحنيات الوطن ليستقيم المسير وينصلح الحال، ولكنه هنا يكشف العلة التي لم ينتبه إليها الكثيرون.. فالرأي وحده لا يكفي مهما كان رشيدا وسديدا ان لم يكن هناك آليات لتنفيذه، أو على أقل تقدير لتمحيصه، فإذا غلب أهل الرأي أن يجدوا صدى لما يقولون و باتوا كمن يصرخون في وادي الصمت فإن العلة هنا ليس في القرارات أو المواقف الخطأ وحدها بل و غياب الفعل، والقدرة عليه، ولا يغيب الفعل إلا عن جسد أو عقل فقد الحياة..
الحقيقة التي نواجهها الآن أن عقول الراشدين مهما تفتقت عن حلول وخيارات فإنها لن تفيد الوطن طالما أن يد الفعل مغلولة، لا تقرأ ولا تسمع وليست مستعدة لاستلهام الرأي والفكرة من عقول بنات وأبناء الوطن.. هنا يصبح الوطن مجرد جثة هامدة على قارعة الطريق لا تسمع ولا ترى ولا تعي..
الخطأ في التقدير أو القرارات جائز ومتوقع لدى كل البشر، لكن أن تفقد البلاد البصر والبصيرة فهنا يتحول اليأس إلى فكرة راجحة تكفي لتدمير ما تبقى من الوطن بأكثر مما دمرته الحرب.
لو خرج جن من قمقم على شاطيء البحر وطلب الأمنيات لينجزها لما وجد من يمنحه مجرد أمنية، فالفعل انحسر حتى عن الأمنيات الطيبات ولم تبق سوى اليوميات المجردة من الأمل، قتل الوقت حتى ولو قتل الوقت الوطن.
لا يمكن لبلد مثل السودان كبير في كل شيء حتى مصائبه، أن يدار بعقل رجل واحد، الدولة – أية دولة- مؤسسات، تتكامل وتتجدد مثل الخلايا في جسم الإنسان، فإذ غابت المؤسسات والمؤسسية مات الجسم بموت خلاياه.
الآن في بلادنا ليس هناك مؤسسات، فقط مجلس سيادة منقوص العدد والنصاب، ولا رئيس وزراء ولا وزراء ولا مجلس تشريعي ولا ولاة ولا مجالس تشريعية في الولايات ولا يحزنون. بصورة مختصرة ليس في بلادنا دولة، ربما أشبه بعمودية صغيرة في الأرياف يحكمها العمدة ولا أحد غيره..
لا تنقصنا العقول المستنيرة –مثل بروف مهدي- ولا الأفكار ولا الحلول العلمية والعملية، فقط تنقصنا آلية تحويلها إلى فعل، فيضطر رجل في مقام بروف مهدي أن يطالب بـ”وصاية دولية”..
أقصى حدود اليأس والاحباط..