عثمان جلال يكتب/ حوار عقلاني مع قوى الثورة السودانية
(مدخل)
(نشرت هذا المقال في مارس ٢٠١٩ وفكرته المركزية ضرورة مضي قوى الثورة والتغيير في خيار الاصلاح والتغيير الديمقراطي المتدرج من داخل بنية النظام والدولة وصولا الى انتخابات ٢٠٢٠ ومجانبة الثورة خشية جنوحها للعنف مما يعني حرب الكل ضد الكل وانهيار السودان او توظيفها من الخارج لصالح اجندته الخبيثة وقد كان فما هو دور القوى السياسية والمجتمعية والثورية في هذه اللحظة التاريخية التي يكون فيها السودان أو لا يكون؟؟
الى المقال والخلاصات
(١).
ثمة حالة من الاتفاق وسط علماء الفكر السياسي وجوهرها أن الآلية الوحيدة لتغيير اي نظام عقائدي أو طائفي تماهى مع مؤسسات الدولة والمجتمع لآماد متطاولة هي آلية الحوار والتسوية عبر مساومة سياسية وضرورة التفكيك المتدرج لمؤسساته الفاسدة واستبقاء المؤسسات الصالحة وتوظيفها لصالح المشروع الوطني الديمقراطي. كذلك فإن عبقرية التغيير السلمي تقتضي التعاطي الذكي مع الأطر الدستورية والمؤسساتية التي شيدها النظام الاحادي لتثبيت وترسيخ ذاته وتوظيفها لصالح مشروع الاصلاح والتغيير الديمقراطي .
ايضا تتجلى الحكمة السياسية لقوى التغيير الديمقراطي في تفكيك المحمولات الأيديولوجية للنظام العقائدي في فضاءات التدافع الفكري والسياسي والثقافي . والسعي الصبور
لتحويل مؤسسات النظام الاستبدادي إلى روافع داعمة للمشروع الديمقراطي المستدام لأن النزوع لهدمها يعني هدم الدولة. ، والمحافظة على كيان الدولة ووحدة المجتمع الاصل في الاجتماع السياسي .
(2).
ان كان ذلك كذلك فلا مبرر لحالة التضاد بين الثورة الواعية والإصلاح فكلاهما يصب في نهر قضايا البناء الوطني والديمقراطية المستدامة ونزعة الخصومة بين الثورة والإصلاح لا توجد في التاريخ إلا في المدرسة الماركسية اللينينية وتمظهر ذلك في الصراع التاريخي بين تيار التنقيحية الإصلاحي بقيادة روزا لوكسمبورج ، وبرنشتاين وتبلورت رؤية هذا التيار على إمكانية التغيير المتدرج والناعم من داخل أبنية ومؤسسات النظام الرأسمالي عبر تبني القضايا المطلبية للعمال وقد تفاعلت مع هذه الرؤية الاصلاحية الأحزاب اليسارية في أوربا في ستينيات القرن الماضي. بينما تصدى المنظر الثوري فلاديمير لينين لهذه الرؤية ووصفها بالتحريفية وأسس ما عرف في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ( بالأممية الثالثة) والتي ترتكز على الثورة الشاملة ضد النظام القديم.
والثورة الواعية صناعة كل المجتمع بكل تبايناته وتناقضاته وهكذا كانت الثورة الروسية التي انفجرت ضد النظام القيصري عام 1917 ، ولكن سطا عليها الشيوعيون بالقوة لصالح السوفياتات تحت شعارات تكتيكية زائفة(كل السلطة للسوفياتات) بينما استبطنت الهدف الحقيقي (كل السلطة للبلاشفة) وبعدها قام البلاشفة بتصفية كل التيارات الفكرية والسياسية التي شاركت في صناعة الثورة الروسية وتم اختزال الثورة في دكتاتورية البروليتاريا ثم تحولت إلى دكتاتورية دون بروليتاريا على النحو الذي تعلمون.
(3)
إن نجاح اي ثورة يتجلى في خمسة عوامل واولها السلمية وأثبتت التجارب أن نهوض اي ثورة سلمية ضد نظام عقائدي أو طائفي لن تستمر في لوحتها السلمية بل ستنجرف إلى العنف والعسكرة إما من النظام الاستبدادي تحت زرائع حفظ الأمن والاستقرار ،أو انجراف الثورة الى العنف والعسكرة وفي الحالة السودانية ذات السيولة الامنية والاجتماعية فان عسكرة الثورة تعني الفوضى والحرب الاهلية وانهيار الدولة.
العامل الثاني لنجاح الثورة ضرورة وجود حالة من الاندماج القومي والتماسك المجتمعي داخل الدولة. لكن تراكم الازمة الوطنية عمق من حالة التنافر الهوياتي والاثني، ولذلك فإن خيار الثورة قد يقود إلى حرب الكل ضد الكل ، وتدمير النسيج المجتمعي.
العامل الثالث لنجاح الثورة هو القيادة الملهمة للمجتمع ، وتتبدى القيادة وفق المفاهيم الحديثة في الأحزاب السياسية،وقد ادى ايضا تراكم الأزمة الوطنية الى اضعاف وتشظي الأحزاب السياسية، وارتداد المجتمع الى الولاءات القبلية والجهوية ونهوض الثورة في هذه السيولة المجتمعية تعني الاحتراب على اساس صراع الهويات القاتلة.
العامل الرابع لنجاح الثورة كسر حاجز الخوف وقد كسره الشباب الواعي ولكن عليهم توظيف هذه الطاقات الايجابية بالانضمام الى الاحزاب السياسية القائمة للنهوض بها فكريا وسياسيا وتنظيميا ، والمشروع الوطني الديمقراطي المستدام في حاجة الى قيادات ووقدة افكار وسلوك سياسي جديد.
العامل الحاسم لنجاح الثورة هو انحياز المؤسسة العسكرية للتغيير ، ولكن اذا وقعت الثورة وتمترست المؤسسة العسكرية مناجزة عن النظام فإن هذا يعني إما اجهاض الثورة بالقوة او حدوث انشقاق عمودي في بنية المؤسسة العسكرية مما يعني الوقوع في فخ الحرب الاهلية.
(٤)
إن العقلانية والحكمة السياسية تقتضي من الاحزاب السياسية استيعاب التيارات الشبابية في اجهزتها التنظيمية وحفزهم على تحويل حالة الهوجة الثورية الراهنة من الشارع إلى حوارات مثمرة وبناءة حول المشروع الوطني الديمقراطي المستدام تنتظم في دور الأحزاب السياسية ، وسوح النشاط في الجامعات، والميادين العامة والاجهزة الاعلامية المختلفة ايضا يجب على الاجهزة المختصة إطلاق سراح المعتقلين والناشطين السياسيين والإعلاميين وتهيئة المناخ للتعاطي البناء مع مبادرة التغيير التي اطلقها الرئيس البشير ايضا العقلانية السياسية تقتضي من الحركات المسلحة نبذ العنف والتحول إلى حركات سياسية مدنية وقومية بدلا من التخندق في حالة الاثنية المناطقية
(٥).
ان الحكمة السياسية تقتضي انضمام كل القوى السياسية لمبادرة الرئيس البشير للوفاق الوطني والتغيير لان ذلك سيعزز من قيمة ان الحوار السوداني السوداني هو الاصل في إدارة قضايا البناء الوطني والديمقراطي، مما يعني تجنيب السودان الاجندة الاجنبية الخبيثة ، وحتما فإن اي نتائج لهذه المبادرة ستصب في صالح التحول الديمقراطي السلمي
كذلك فان الحكمة السياسية تقتضي تشكيل كتلة تاريخية حرجة تضم كل القوى السياسية الوطنية والتوافق على المشاركة الفاعلة في انتخابات ٢٠٢٠ باعتبارها الالية السلمية والقانونية المنظمة والتي ستصب في صناعة التحول الديمقراطي المستدام ولابد من صنعاء وان طال السفر والوصول الى صنعاء يورث الحكمة والعقلانية ، ومأسسة الديمقراطية في السودان يجب انجازها بقيم الحوار والحكمة والسلمية.
(٦).
عودا على مدخل المقال فما هو واجب القوى السياسية والمجتمعية والثورية وكل قطاعات الشعب السوداني بعد ان تم اختطاف وعسكرة ثورة ديسمبر ٢٠١٨م من قبل عناصر الثورة المضادة والمتمثلة في دولة الامارات ومليشيا آل دقلو وقحت المجلس المركزي وذلك لابتلاع الدولة السودانية وتشييد مملكة آل دقلو وحراسها عربان الشتات وافنديتها وكبار موظفيها قيادات قحت المجلس المركزي ؟؟
الواجب هو الانخراط في المقاومة الشعبية المسلحة كتفا بكتف مع الجيش السوداني وتحت قيادته في معركة الشرف الوطني لتفكيك وتصفية هذا المشروع الشرير الذي يستهدف السودان ، دولة وأمة وهوية وتاريخ وحاضر ومستقبل
ان هزيمة هذا المخطط الاجرامي بتلاحم كل الشعب السوداني بالمال والسلاح مع جيشه الباسل يعني البداية الواثقة لاستعادة المجتمع وقيادته لقضايا البناء الوطني والتحول الديمقراطي المستدام.