كواليس ورشة القاهرة حول الأوضاع في دارفور وتكوين آلية إنسانية مشتركة بقيادة دولية
تحت لافتة “خفض التوتر وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين بالحرب في إقليم دارفور”، اجتمعت فصائل سودانية مسلحة عدّة في القاهرة، بتيسير من منظمة “برومديشن” الفرنسية ووزارة الخارجية المصرية، في ورشة خاصة بالأوضاع في الإقليم المضطرب.
وشارك في الورشة، التي عُقدت بعيدا عن وسائل الإعلام، ممثل لقوات الدعم السريع التي سيطرت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة على 4 ولايات من أصل 5 في دارفور.
كما حضرها ممثل لحركة “العدل والمساواة” بقيادة بارود صندل، وهي المجموعة التي خرجت عن الحركة الأم قبل أشهر عدة. وتجمع “قوى تحرير السودان”، وحركة تحرير السودان/المجلس الانتقالي، وتحالف المسار الديمقراطي، كما شاركت حركة العدل والمساواة السودانية الجديدة (التحالف السوداني).
ويلاحظ أن غالبية المجموعات التي وافقت على المشاركة في الاجتماع محسوبة على قوات الدعم السريع ولديها معها تفاهمات مسبقة وغير معلنة، لا سيما تحالف قوى المسار الذي كان يقاتل في ليبيا، وبعد الحرب التحقت أكثرية عناصره بقوات الدعم السريع.
وقدمت المنظمة الفرنسية الدعوة إلى كافة قوى الكفاح المسلح في دارفور، سواء تلك الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة أو غير الموقعة. لكن اثنتين من الحركات وهما “العدل والمساواة” بقيادة جبريل إبراهيم و”تحرير السودان” بزعامة مني أركو مناوي، قاطعتها احتجاجا على مشاركة قوات الدعم السريع.
بينما قال المتحدث باسم الجيش السوداني، في بيان الثلاثاء الماضي، إن “القوات المسلحة غير معنية بالورشة التي تيسّرها منظمة برومديشن الفرنسية، ولم تتلق دعوة رسمية، ولم تسمع بها إلا من خلال الوسائط”.
غياب الجيش
وناقش المجتمعون إيجاد آلية مشتركة تضم الحركات المسلحة والجيش وقوات الدعم السريع لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، كما أكدت ضرورة استمرار الجهود الرامية إلى حث الأطراف على العودة إلى طاولة التفاوض وتوقيع وقف إطلاق النار، حسبما ورد في البيان الختامي.
وركزت النقاشات، بحسب المتحدث باسم حركة العدل والمساواة جبريل آدم بلال، على إمكانية التوصل لوقف إطلاق نار وتكوين آليات مشتركة بين الدعم السريع والقوات المسلحة وقوى الكفاح المسلح، لمراقبة البند المتعلق بوقف إطلاق النار والتمكن بالتالي من تقديم المساعدات الإنسانية لكل السودان ولدارفور بشكل خاص.
وفرضت سيطرة الدعم السريع على 4 ولايات في دارفور وإيقاف الحكومة عمليات نقل المساعدات إلى الإقليم؛ على المشاركين تخصيص النقاشات حول كيفية استئنافها مجددا وفقا لحديث جبريل بلال، الذي يؤكد أن السلطات منعت كل أنواع المساعدات الدولية والإقليمية القادمة عن طريق بورتسودان باحتجازها في الإقليم الأوسط أو في كوستي بولاية النيل الأبيض، ومن ثم لم يتلق سكان دارفور مساعدات على مدى شهرين، كما توقفت القوافل التجارية.
وأعرب بلال عن أسفه، في حديثه للجزيرة نت، لغياب الجيش عن المناقشات، وهو أحد طرفي الصراع، معتبرا مقاطعته غير مبررة في ظل الأوضاع الإنسانية المعقدة للغاية بالإقليم، والتي كانت كفيلة كما يقول بدفعهم للحضور وبحث الحلول.
مسارات للإغاثة
وأشار المتحدث إلى التأكيد خلال المناقشات على ضرورة فتح 3 مسارات بنحو عاجل لإيصال المساعدات عن طريق مصر وتشاد وجنوب السودان إلى دارفور مباشرة. كما تم بحث كيفية استخدام المطارات المحلية في مدن الفاشر ونيالا والجنينة، مع إمكانية تكوين آلية من كافة الأطراف لمخاطبة الجهات المسؤولة، والتأكد من أن المنقول للإقليم هو مساعدات إنسانية فقط.
وأضاف جبريل بلال “طالبنا أن تشارك في الآلية الإنسانية دول الجوار تشاد ومصر وجنوب السودان والمنظمات الإقليمية الفاعلة وفرنسا، والمنظمة (بروميديشن) هي المعنية بمتابعة مخرجات اللقاء في قابل الأيام”.
وناقشت الورشة إمكانية أن تعمل الآلية المقترحة في جانب آمني وتتولى مراقبة وتهدئة الأوضاع بالتعاون مع القوات المشتركة والدعم السريع والجيش بجانب إدارة مناطق السيطرة، والعمل على تحويل الإدارة إلى عناصر مدنية بإشراف الآلية المشتركة، لتخفيف حدة التوتر بقدر الإمكان.
تباينات الحركات
ويقر بلال بوجود تباينات في قوى الكفاح المسلح من شأنها خلق تعقيدات، لكنه يلفت لتواصل المساعي بالتعاون مع الآخرين لتجاوزها. وبرزت التباينات التي عناها المتحدث في مقاطعة حركتي العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي لاجتماع القاهرة.
ورغم إرسال مناوي اثنين من كبار مستشاريه إلى مقر الورشة واجتماعهما بالقائمين عليها، إلا أنه أعلن لاحقا الانسحاب، وأوضحت الحركة، في بيان، أنها بعد مفارقتها الحياد حيال الحرب الحالية، فلن يكون لديها أي تنسيق بعيدا عن مخرجات مفاوضات جدة، وهو المنبر الذي يدار بوساطة سعودية أميركية لوقف الحرب في السودان.
وتحدثت تقارير صحفية عن أن المنظمة الفرنسية تجاوزت مناوي، ودعت القائد العام لجيش الحركة جمعة حقار. ونقلت التقارير عن مصادر أن مناوي أجرى اتصالا بمسؤولي “برومديشن” واتهمها بتنفيذ مخطط للدعم السريع يستهدف شق صفها.
وقبل هذه التطورات كانت الحركة قد عقدت اجتماعا، وقررت إرسال اثنين من القادة بجانب الفريق جمعة حقار شريطة تعديل الأجندة لتناقش الأزمة السودانية بشكل عام بدلا من حصرها في دارفور.
وقاطعت حركة العدل والمساواة الاجتماع أيضا؛ بسبب مشاركة الدعم السريع. ويوضح حسن فضل المتحدث باسم الحركة للجزيرة نت، أن حركته استفسرت من المنظمة عن مشاركة الدعم السريع، وأبلغتهم الأخيرة في بادئ الأمر بعدم حضوره، وتبيّن غير ذلك لاحقا.
وتابع “لدينا موقف معلن بأن الدعم ارتكب فظائع واستهدف المدنيين، وهذا ينافي مبادئ الحركة وقيمها، ولا يمكن أن نجلس معهم وهم لا يزالون ساديون في تصرفاتهم”.
ويتحدث فضل عن غموض بشأن الأجندة وتخصيصها لدارفور، بينما خفض التوتر والتهدئة كان يجب أن يشمل كامل البلاد بما يتسق مع قيم الحركة ذات التوجه القومي.
ويقلل المتحدث من نتائج الاجتماع ويقول إنها “جزء من محاولات الإلهاء وتعديد المنابر، ولن تأتي بجديد في ظل الوضع الأمني الراهن؛ لأن الحاجة الملحة الآن هي إبداء كل الأطراف للجدية اللازمة، وأن يكف الدعم السريع عن الجرائم، ويتجه الجميع لمناقشة كيفية وقف الحرب، ومن ثم العمل في اتجاه المسألة السياسية”.
ويعتقد المتحدث أن المجموعات المشاركة في الاجتماع كانت تحاور نفسها ودائما تحضر الاجتماعات مع الدعم السريع ولا خلاف بينهم. ويرى كذلك أن مقاطعة حركته وآخرين يجعل ورشة القاهرة بلا جدوى كما أن غياب الجيش -وهو رأس الرمح في القضية- يجعل الاجتماع كأنه “حرث في البحر”.
صعوبة التنفيذ
وعلى النقيض يرى مبارك بخيت، أمين شؤون الرئاسة في حركة تجمع قوى تحرير السودان، أن غياب بعض الحركات لم يكن مؤثرا، لكن المؤسف وفق حديثه للجزيرة نت كان مقاطعة ممثلي الجيش، واصفا ذلك بأنه “انتكاسة”.
ومع ذلك، يقول إنه جرى نقاش قضايا مهمة بينها تكوين آلية إنسانية مشتركة بقيادة دولية لإيصال المساعدات عبر جسر جوي أو بري بمراقبة المجتمع الدولي وإشراف القوة المشتركة للحركات المسلحة، خاصة أن توقف المساعدات الإنسانية عن دارفور لأكثر من شهرين كان له أثر بالغ في الأوضاع بالإقليم.
ويلفت بخيت إلى أن اجتماع القاهرة كان امتدادا للقاء عقد في أديس أبابا قبل نحو شهرين شاركت فيه الحركات المسلحة لبحث الوضع الإنساني في دارفور، وجرى تفاهم وقتها على ضرورة توجيه الدعوة إلى طرفي القتال لمناقشة أمرين أساسيين هما: وقف إطلاق نار محدود على الأقل على مستوى الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ومنع قصف الطيران وإيصال المساعدات الإنسانية.
ورأى أن انحياز بعض الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للجيش السوداني أثر في إيصال المساعدات بتوقف القوافل التجارية والإنسانية التي كانت تشرف على تأمينها القوة المشتركة.
ولا يبدو للعيان أن توصيات الورشة الداعية لتخصيص مطارات في نيالا والجنينة لإيصال العون ستجد طريقها للتنفيذ، خاصة أن تلك المدن خاضعة لسيطرة الدعم السريع وبالإضافة لرفض الجيش المتوقع لهذه التوصيات.
كما أن قوى مسلحة في دارفور أيضا تعارض الخطوة خشية استغلال الدعم السريع للمطارات في نقل الإمداد العسكري، وهو خلاف من شأنه تفجير مواجهات بين الدعم والحركات الحليفة للجيش، وتتمتع بثقل عسكري واجتماعي خاصة في شمال دارفور.
ووفق مراقبين، فإن إيصال المساعدات عن طريق مطارات داخلية في دارفور معرض لخطر الاستهداف عن طريق الطيران الحربي الذي كثف خلال الثلاثة أسابيع الماضية عملياته الجوية في مناطق نائية بالإقليم وبعض المدن الرئيسة بزعم القضاء على إمداد عسكري وصل الدعم السريع، بينما يقول الأخير إن العمليات الجوية تسببت في مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.
المصدر / الجزيرة نت