حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب: بصراحة .. الوضع لا يحتمل
نحتاج أن نتحدث بصراحة، فأمر الوطن ليس فيه مجاملة..
حاليا بلادنا محكومة بالوثيقة الدستورية لعام 2019 المعدلة في 2020، التي حددت هياكل السلطة وفقا لذلك..
هذه الوثيقة أسندت قيادة العمل التنفيذي لرئيس الوزراء، الذي يعين وزراء الحكومة ثم ولاة الولايات.. والواقع حاليا أنه منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 ظل منصب رئيس الوزراء شاغرا والوزراء أيضا غائبون ويعمل نيابة عنهم آخرون مكلفون بسد الثغرة لحين تعيين الأصل.
حاليا ليس هنالك رئيس وزراء ولا وزراء بل حتى مجلس السيادة غير مكتمل و أقل من النصاب القانوني.. فكيف تستطيع بلادنا المحافظة على القوام المؤسسي في ظل هذا الفراغ السيادي والتنفيذي الخطير.. كيف تتعامل مع المجتمع الدولي؟
خطورة هذا الوضع ليست في ضعف هيكل الدولة فحسب، بل في أن الخارج من دول ومؤسسات ومنظمات لن تستطيع التواصل مع السودان بصورة متكافئة لغياب النظراء بالداخل، مما يؤدي للتمادي في عزل السودان عن محيطه الاقليمي والدولي بصورة مضطردة على النحو الذي أوصلنا في النهاية إلى دولة محرومة من التعاون والشراكات الخارجية المنتجة في كل المجالات، خاصة السياسية و الاقتصادية والعسكرية.
السودان حاليا (غريب بلاد وغريب أهل) في القارة الأفريقية والوطن العربي، وأغرب في المجتمع الدولي الذي لا يعترف ولا يتعامل مع دول ناقصة شرعية دستورية داخلية.
من الحكمة أن يلتفت الشعب السوداني إلى هذا الأمر ويتعامل معه بمنتهى الجدية، خاصة وبلادنا تخوض حربا ضروس تتطلب الحفاظ على مقومات الدولة وتعزيز وجودها المؤسسي، وجيشنا في حاجة إلى دولة مؤسسات تسنده بكل قوة، و أول هذه المؤسسات الحكومة المدنية التي تتولى ادارة البلاد مع ترك الشؤون العسكرية لقيادة الجيش والأمنية لجهاز المخابرات والشرطة.
تكليف رئيس وزراء لا يجب أن يترك لسعة وقت وظرف المكونات السياسية، فالأمر هنا يختص بالشعب الذي تختلف مواقيت أزمته عن مواقيت الساسة، فهم لا يشعرون بالضيق الذي يعانيه وليسوا مستعجلين طالما أنهم و أسرهم لا يكابدون أوضاع الحياة..
كل المطلوب من رئيس مجلس السيادة تعيين رئيس وزراء من الشخصيات السودانية المعروفة القومية التي ليس لها انتماء حزبي، ويتوفر لها قبول شعبي كبير.. شخصية بلا أعداء ولا يرفضها أحد.
يترك لرئيس الوزراء اختيار الوزراء بملء حريته وتقديره من شخصيات قومية لا حزبية.. و تتشكل حكومة كاملة السلطات.. لا تكبل نفسها باستخدام مسميات مثل “حكومة حرب” أو “حكومة تسيير أعمال” أو حتى “حكومة انتقالية”، فهي حكومة مثل أية حكومة في العالم كاملة السلطات والمهام..
هذه الحكومة بكل تأكيد ستحظى باحترام وتعاون الدول والمؤسسات الدولية، وتفتح آفاق الشراكات ليس لتحقيق السلام فحسب، بل و مشروعات اعادة الاعمار والتنمية والنهضة الشاملة.
الوضع في السودان ما بات ينتظر البيانات والخطب الرنانة بل القرارت الشجاعة التي تضع البلاد كلها في طريق جديد..