حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : المفوضية القومية للنهضة العمرانية
بمجرد أن تضع الحرب أوزارها، وتستعيد الحياة المدنية هدوءها ستبدأ حركة عمل واسعة في السودان، في المجالات كافة وعلى رأسها التعمير، وهو فضاء يستوعب القطاعات البشرية كلها من العمالة العادية الى الماهرة إلى الحرفية والفنية عالية الخبرة.. بما يفتح ربما ملايين فرص العمل في شتى أنحاء السودان.
هذا الوضع يتطلب الاستعداد منذ الآن، فالأمر ليس مجرد مقاولين و مواد بناء بل خطة شاملة تنفتح على تصميم مستقبل عمراني في السودان ينقله من سفح التخلف إلى قمة التحضر..
كيف؟
اذا سمحنا بحركة عمران عفوية فالأغلب نحصل على واقع أسوأ مما كان عليه الوضع قبل الحرب، ستعود المدن والأحياء بالشكل الذي كانت عليه قبل الحرب، فنرى أرقى الأحياء الباهظة المترفة، تستخدم نظام الصرف الصحي المتخلف (السايفونات) بكل ما فيه من تدمير للبيئة وأذى للمظهر والجوهر.
الاعداد لما بعد الحرب يتطلب اعادة هيكلة المؤسسات و صياغة التشريعات أولا، أشبه بصناعة الأجهزة الالكترونية، فهي عمليات مدروسة و مخطط لها جيدا..
كنت في عمود سابق اقترحت انشاء (المفوضية القومية للنهضة العمرانية) وتختص بتصميم الخطط العمرانية على المستوى القومي ومتابعة النمو العمراني لتضمن تكامله وانسجامه مع الخطة الاستراتيجية القومية الشاملة.
أول ما تنفذه هذه المفوضية مراجعة شاملة للتشريعات التي تتصل بالتنمية العمرانية، فالقوانين مقعدة لانطلاقة بلادنا، و نحتاج الاقرار أن “حكومات الأفندية” على مر التاريخ السوداني المعصار كانت تقاوم الافلات من سلطانها بتكبيل قدرات البلاد في كل المجالات لتكون رهنا لأقدار المتسلطين على الخدمة المدنية.
من يريد بناء بيت في السودان يدفع ضعف تكلفته للحكومة في شكل رسوم وجبايات تجعل من يبني بيته كمن يبني للحكومة بيتين.
وهذا علاوة على ظلمه البَيّن للموطن ذي السعة الذي يطمح في امتلاك بيت مناسب فإنه يحجم سوق العمل ويقلل النشاط العمراني وقطاع المقاولات بدرجة تحرم البلاد والمواطنين من فرص عمل واسعة..
والقاعدة المعروفة ان وراء كل ثري ألف فقير يعيشون من نشاطه الاقتصادي وترف حركته الاجتماعية..
لدينا آلاف القانونين ذوي الخبرات، لماذا لا يبتدرون من الآن حوارا وجهدا مهنيا لصياغة تشريعات جديدة في القطاع العمراني؟
مثلا قوانين خاصة للاستثمار في المدن الجديدة، تفتح الطريق وتشجع دخول رأسمال وطني وأجنبي واسع لتشييد مدن وأحياء جديدة على أفضل ما توفره تكنلوجيا العصر.
لابد من تحويل قيمة الأرض السكنية الى “صفر” بنهضة عمرانية تجعل العرض في المباني والمنشآت أكبر من الطلب على الأراضي البيضاء.. وهي معادلة ليست صعبة اذا تخلصت الحكومة من ادمان بيع الأراضي والتكسب منها..
يجب أن نبدأ من الآن، فالحرب تهزمها التنمية..