بوادر إنهاء صراع السودان تتضاءل.. ما مآلات إعلان أديس أبابا و”المقاومة الشعبية”؟
ترقب السودانيون في ختام العام 2023، أن يكون بداية النهاية لسنة مليئة بالدماء والنزوح، والمواجهات الدامية، حيث أمِل المواطنون في البلد العربي في شمال شرق أفريقيا، أن يجمع لقاء بين طرفي النزاع، القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد يفضي إلى معاهدة سلام.
لكن في مطلع العام 2024، ازداد الشرخ بدلا من أن يلتئم، حيث شهدت الساحة السودانية مستجدات جديدة على المستوى السياسي، تمثلت في توقيع قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بالسودان، إعلان أديس أبابا إنهاء الحرب والتفاوض مع الجيش.
وفي رد رسمي عبر كلمة مصورة، بثها مجلس السيادة السوداني، في الخامس من يناير/ كانون الثاني، قال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إن “السياسيين الذين أبرموا اتفاقا مع الدعم السريع أخطأوا بالحديث مع متمردين”، معتبرا أن “اتفاق السياسيين مع قوات الدعم السريع غير مقبول ولا قيمة له”.
وشدد البرهان على أن الجيش سيقاتل قوات الدعم السريع “حتى تنتهي أو ننتهي”، معلنا عن “تسليح المقاومة الشعبية بأي سلاح لدينا”، كما أنه تابع بالقول: “لن نمنع المقاومة السودانية من جلب أي سلاح”.
ماذا يعني إعلان أديس أبابا؟
حول احتمالية وجود ملامح تقسيم للبلاد في إعلان أديس أبابا، يقول عثمان عبد الرحمن، الناطق باسم حركة “تمازج”، وهي أحد فصائل الحركة الشعبية في السودان، إنه “لا يحمل أي بوادر انقسام وليست فيه أي مؤشرات تشير إلى أن هنالك انقساما قادما بين القوى السياسية”.
وأضاف لـ”عربي21″: “الإعلان بالنسبة لنا حوى كل مضامين الأزمة ونثمن جهود القوى الديمقراطية المدنية وسعيها في إيجاد حلول جذرية للأزمة في السودان”، مبينا أن “توقيع دقلو على هذا الإعلان يعد خطوة شجاعة ونساندها”.
بينما في المقابل، يرى المحلل السياسي، الدكتور ياسر محجوب الحسين، أن الإعلان “ليس سوى إشهار لزواج سري بين مليشيا الدعم السريع وبعض القوى المدنية المعروفة اختصارا بـ (قحت) والتي غيرت جلدها لتصبح (تقدم)”.
وتابع لـ”عربي21″: “لعل هذا الإعلان قد وضعها أمام خطر مواجهة قضايا جنائية باعتبارها شريكا في جرائم المليشيا ضد المواطنين والوطن”.
ما مآلات تسليح المقاومة الشعبية؟
حول قرار البرهان إمداد المقاومة الشعبية بالسلاح، يعلّق الناطق باسم حركة “تمازج”، أن “المقاومة الشعبية يقف خلفها فلول النظام البائد، الذين أشعلوا فتيل الحرب”، محذرا من أنها “ستفضي إلى حرب أهلية وفتن”.
وأردف: “الجيش السوداني على مر التاريخ عندما يتكبد خسائر على بعض المناطق، فهو يلجأ إلى الشعب كوقاية، والكثير من الولايات رفضت هذه المقاومة”، بحسب قوله.
وعلى النقيض، وجد الدكتور ياسر محجوب الحسين، أن “قيادة الجيش مرتاحة تجاهها وتشجعها حتى على الحصول على السلاح بشكل خاص”.
وبيّن أن “التحركات السياسية الأخيرة اللاهثة للتمرد وداعميه (الدعم السريع) تكثفت بعد ظهور عامل المقاومة الشعبية على مسرح القتال لأن ذلك يشكل تهديدا خطيرا لهم”.
ولفت إلى أن المقاومة الشعبية “أصبحت تحركا شعبيا خالصا وتقدمت على الروتين الذي يحكم الجيش في عمليات الاستنفار الشعبي وتسليح المواطنين”.
دلالة زيارة حميدتي لجنوب أفريقيا
وفي الأسبوع الأول من العام الحالي، كشف قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أنه زار جنوب أفريقيا واستقبله الرئيس سيريل رامافوزا، بعدما أجرى جولة في شرق أفريقيا.
عثمان عبد الرحمن، الناطق باسم “تمازج” يرى أن “الجولة إلى جنوب أفريقيا لا بد منها، وهو دليل على التأييد الدولي لقوات الدعم السريع”.
واتهم وزارة الخارجية السودانية، بأنها “أصبحت ملجأ للفلول، لذلك فهي المسؤول الأول بعد بعض قادة الجيش، عن عرقلة ملف إعلان جدة”.
فيما يقول المحلل السياسي، ياسر الحسين، إن “جزءا من نجاح زيارة حميدتي لجنوب أفريقيا ناتج عن تقصير في وزارة الخارجية السودانية وعدم قدرتها على إبطال مزاعم التمرد بعمل دبلوماسي دؤوب”.
وأوضح أن “جنوب أفريقيا ليست كباقي دول الجوار، فليس لديها أجندة ومصالح مع التمرد لكنها مغيبة تماما عن حقيقة ما يدور”.
ويرى أن “أي تحرك إيجابي من الدبلوماسية السودانية تجاه جنوب أفريقيا سيغير من سياسة جنوب أفريقيا تجاه ما يحدث، وسيحبط أي مكاسب قد يكون جناها التمرد من تلك الزيارة”.
أين الدول العربية مما يجري؟
حول غياب الدور العربي في حل الصراع السوداني، أعرب المحلل السياسي، ياسر محجوب الحسين، عن أسفه من أن “الدول العربية تعاني من ضعف شديد وانقسامات عميقة أثرت على فعالية الجامعة العربية، فضلا عن تصاعد عمليات الاحتلال في غزة وانشغال الإعلام العربي بتلك الأحداث”، بحسب قوله.
ومضى يقول: “اهتمام بعض الدول العربية بما يجري يأتي من طرف سلبي وهو الوقوف بجانب التمرد ودعمه، ما أطال أمد الصراع ومعاناة السودانيين”.
وعلى النقيض، قال الناطق باسم حركة “تمازج”، عثمان عبد الرحمن، إن “قمة دول جوار السودان، كان فيه حضور مميز للدول العربية الشقيقة لكن السياسة التخبطية لقادة الجيش أفضت إلى مبادرات بلا جدوى، رغم الطرح القوي ومخرجات قوية، ومعظم القوى السياسية رحبت بها”.
وتابع: “الحكومة السودانية باتت تكن عداء واضحا لبعض الدول الخليجية، ولذلك فهذه الدول حدث ما توجست منه، وهو إطلاق أي اتهامات لها من قبل الجيش السوداني”، محملا الحكومة السودانية مسؤولية “عرقلة التواصل الدبلوماسي”.
ماذا عن الميدان؟
بشأن المواجهة على الأرض، قال الناطق باسم حركة “تمازج”، إن قوات الدعم السريع “حققت انتصارت كاسحة”، لكنها في نفس الوقت تمد يدها للسلام، بحسب قوله.
فيما أشار المحلل السياسي، الدكتور ياسر محجوب الحسين، إلى أن “الكفة تميل باستمرار لصالح الجيش”، مرجحا إعلان الخرطوم “منطقة خالية من التمرد قريبا”، وفق رأيه.
ورجّح الحسين أن يتم تصنيف قوات الدعم السريع “منظمة إرهابية” دوليا في الفترة القادمة، مضيفا أنها “ستقبل الانسحاب من المدن بفضل الضغط العسكري والشعبي”.
وحول الانتهاكات المرتكبة من قبل “الدعم السريع” في المناطق التي سيطرت عليها مثل ود مدني، ذكر أن “المحاسبة الدولية قادمة بدون شك، لكن تقصير المتابعة من جانب الحكومة السودانية قد يؤخرها ويبطئها”.
وأوضح المحلل السياسي لـ”عربي21″ أن “عدم وجود حكومة أزمة أو طوارئ بصلاحيات واسعة، تعتبر أهم إشكالية تعطل عمل الحكومة الحالية وتحد من فعاليتها إذ إنها تستعين بوزراء ومسؤولين مكلفين لا يملكون صلاحيات واسعة”.
وأسفر النزاع الذي اندلع في أبريل/ نيسان 2023، عن سقوط أكثر من 12 ألف قتيل، بحسب تقديرات المنظمة غير الحكومية “مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة والأحداث” (أكليد).
وخلف النزاع أكبر موجة نزوح تمثلت في أكثر من 7 ملايين شخص، وفقا لتصريحات الأمم المتحدة.
وكالات / عربي 21