خارج الصندوق .. م. سامي عبدالوهاب يكتب .. رسالة الي البرهان وقيادة الجيش
رسالة اقتضاها الحال إليكم دون غيركم لان اللحظة التاريخية وضعتكم ذلك الموضع انتم دون غيركم وجعلت على عاتقكم مسؤولية السودان ومصيره وقرار وجوده ،انتم جيش الامة وحماتها.
وقديما قيل ان مهمة الفيلسوف هي اجتراح الأسئلة اما الاجابة عليها فهي مهمة المجتمعات وهي تتداعى بتداعي الحوائج، ولا أصعب من الإجابة على الأسئلة الوجودية التي فيها عين المستقبل البعيد وأقدام الحاضر الثابتة وظهر الماضي الصلب.
السؤال الاعظم الذي يجتاح كل الثنايا هو ما هو مشروع الدولة حاليا ،لقد ضربت الدولة السودانية في عقر دارها واستبيحت عاصمتها وتعرضت لمحاولة إزالة عنيفة وهوجاء ولن يخسر السودان خسارة بأكثر مالوكانت نجحت تلك المحاولة .
لم تتم الإجابة على سؤال مشروع الدولة فنحن نتعرض لخطر كبير وهو غياب الهدف وانعدام الرؤية بفعل حرب مع احد مكونات الدولة العسكرية واسفاف من مكوناتها السياسية فماذا تبقى ،ان لحظات الحروب وكما هي لحظات كارثية ومدمرة الا انها ودوما ما كانت مفتاح لافق جديد الواجب علينا تبصر هذا الافق وتحسسه.
ان مسؤوليتكم هي الحفاظ على ثبات شعبكم وصموده فالعدو يستهدف جأش ذلك الشعب في المقام الأول، عليكم التواصل مع شعبكم بطريقة اكثر فاعلية مما يحدث ، عليكم ان تضعوه في الصورة بالقدر الذي يسمح له بالصمود فان حالة توهانه وتفرجه ان استمرت فقد نجح العدو في مسعاه وحقق مرماه، عليكم ان تحافظوا على ثقته فيكم والا فانذركم بالكارثة ، يجب أن تزيدوا من يقينه بالنصر وقدرتكم على المضي به الي الامام والنجاة من الكارثة ، على مر التاريخ لم ينجح قادة الجيوش والجند الا بثقة شعوبهم بهم ،خذوا الجنرال شارل ديغول والذي كان وزير خارجيته جون لوك شخصيا وكيف انه قدم مشروع بلاد النور الذي جمع كل فرنسا خلف ظهره، خذوا نابليون كمثال وكيف كان الشعب ملتفا حول جيشه ويعيش معه معاركه التي وصلت حتى أفريقيا لحظة بلحظة، بل خذوا مارغريت تاتشر والتي خاضت حربا على بعد كيلومترات بعيدة عن أرضها بريطانيا في خاصرة الارجنتين عند جذر الفوكلاند وخاضتها كاملة وتحمل شعبها الفاتورة دون تذمر ولم يجرؤ بريطاني على الدعوة لوقف الحرب لا لشئ الا لأنها وجدت طريقة للتواصل معه وجعله جزءا من المعركة.
عليكم ان تجعلوا من شعبكم جزءا اصيلا في معركة بقائه.
ولا يتاتى ذلك الا وفق مشروع للدولة حدودا وسلطة ومجتمع ، عليكم صناعة هدف ذكي ،هدف عظيم وقابل للتحقق ويمكن قياسه والتأكد من درجة التقدم تجاهه فان الشعوب لا تصبر الا اذا شعرت انها تمضي للامام نحو اهدافها وتيقنت من قياس ذلك التقدم،عليكم ان تلهموا شعبكم وتجعلوه يتحسس ذلك الهدف صباح مساء ويعمل لأجله وهنا النجاح .
لقد خاضت الإنقاذ حروبا عدة في وقت واحد وتكالبت عليها الأمم ولم تستخرج في ذلك الوقت بترولها ولا وسعت رقعتها الزراعية ولا انتجت بنيتها التحتية وجيشها كان ضعيفا وممزقا وغير مؤهل وسلاحه قديم وبالي ولا يمتلك أدنى مقومات الجيوش حتى أنه لا يمتلك ناقلات الجند (تاتشر) ويعتمد في تنقله أثناء المعارك على الارجل وتتوقف المعارك وتسقط المدن بسبب نفاذ الزخيرة ، وشعبها جائع ومنقسم ومحبط فماذا فعلت .
لقد قدمت مشروعا وصنعت اهدافا وصاغت وجدانا موحدا لامتها دفع الامة كلها في اتجاه واحد ،اتجاه تحقيق الهدف وضرب قادتها في ذلك الوقت النموذج لما يجب أن يكون عليه الشعب وكنتم شهودا فماذا حدث ، لقد انطلق المارد الذي في داخل الشعب فصبر على جيشه وتحمل العنت والفاقة وقدم الغالي والرخيص لأجل المشروع المطروح فراينا ورايتم النساء يتبرعن بذهبهن والمغتربين يقتسمون من قوتهم وسرى المفعول الحضاري الجديد في جسد الامة فقدمت الأسر فلذات اكبادها وزفتها الي مناطق القتال وصبرت على الفقد حتى بلغ عشرات الالاف وامكن حينها للسلطة وحكومتها ان تفعل ما كان مستحيلا وهنا مربط الفرس وبيت القصيد.
ان أوجب واجباتكم اليوم هي تقديم مشروع وطني جديد يستنهض الهمم، وصياغة أهداف ذكية تشد الامة نحوها لنعبر حاجز المليشيات الداخلية والاستهدافات الخارجية ، تحتاج البلاد لمشروع حتى تصمد وكل مقومات ذلك المشروع متوفرة ،كيف لا وهنالك خوف عام على المستقبل وتخوف جماعي من المصير ورغبة اكيدة في النجاة متوفرة لدى الجميع نحتاج فقط ان نقدح بمشروع ناضج مفاعل الامة وهي ستمضي الي غاياتها دون توقف .
مشروع يوحدنا لننتصر ونؤمن مستقبلنا ونعالج مشكلات مجتمعنا التي اظهرتها لنا الحرب يتوسل الي غاياته عبر الاطر والوسائل الحديثة ويرتكز على مكنون حضاري له آلاف السنين وقوة روحية منذ مئات الأعوام.
مشروع كذلك سيضعكم مع العظام لان شعبنا اثبت ان لديه إمكانيات خارقة ان توفر له مشروع ناضج وهذه المرة ان انطلق المارد فلن يوقفه لا رسن ولا مرسى.
م.سامي عبدالوهاب حاج الامين
