خارج الصندوق .. سامي عبدالوهاب حاج الامين .. (كنه الحقيقة)
كثر اللغط وما قل حول التفاوض وتعليق الآمال العراض عليه ،بالضرورة لا أحد يحب الحرب ولا يطلبها وقد قال الله عز وجل عنها كتب عليكم القتال وهو كره لكم ،بل ان الجميع يتمنى نهاية الحرب اليوم او غدا ولكن كل واحد منا له نهايته الوردية في ذهنه يدفعه نحو امكانيتها منهج رغائبي في التفكير اشتهر به السودانيون .
في هذه السانحة احاول تفكيك مواقف جميع اللاعبين حتى يمكننا رؤية ماسيسفر عنه التفاوض .
الجيش الوطني تعرض لجرح كبير في كرامته وتلقى ضربة مخابراتية موجعة وانتهك عرض شعبه امام ناظريه وهو يعلم أن لا حل أمامه يكفر ويشفع ويعزي في كل تلك التضحيات سوى عدم تكرارها والا فسيفقد مشروعيته ولن يكون ذلك الا بطريقتين الأولى سحق المليشيا حتى النهاية وان اتفق مع من يرعاها ،والثانية تفاوض بموجبه ينتهي الوجود العسكري للمليشيا نهائيا إذ لن يستطيع الشعب السوداني اغماض عينه برهة وهؤلاء البربريون المغتصبون يمتطون آلات الموت ويحملون بنادقهم على ظهورهم وهم يتجولون بين ظهرانيهم ، لقد أدرك الشعب حقيقة هؤلاء الاوباش ولن يستطيع الاطمئنان وهم يحملون اسلحتهم مجددا .
بالمقابل المليشيا تعلم تماما ان بعد كل تلك الفظائع لا مستقبل سياسي لها إلا وبندقيتها تحرسه ولا اقتصاد لها دون نفوذ سياسي يسنده، البندقية بالنسبة للمليشيا مسألة وجود ولن تستطيع التنازل عنها مهما حصل وان طلبت منها الإمارات ذلك وايدتها السعودية واميركا .
اذا المرادين متعاكسين وكاننا امام رخ وحصان في نهاية لعبة شطرنج مميتة لا يمكن لاحدهما القضاء على الاخر وكل مايحدث لا يعدو كونه مراوغات لتجميل الصورة واخفاء الاهداف .
وكل من ينتظر التفاوض عليه التفكير قليلا حول كيف سيحقق منه مراده وكيف يمكن للطرف الاخر اعطاؤه ذلك المراد.
تبقى لاعب ثالث وهو ما يحقق بندول الاتزان في العملية التفاوضوعسكرية القائمة الا وهو دولة الإمارات الداعم الرئيس للمليشيا وهنا تبرذ نقطة تفوق الجيش الذي يمكنه مساومة الامارات بينما المليشيا لا يمكنها ازائها سوى تنفيذ الاوامر .
الإمارات بالضرورة دولة تسعى لتحقيق مصالحها ويمكن ان تقدم تنازلات كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن ولي في هذه النقطة كثير شرح سافرد له مقالا منفصلا.
الا انه وبالنتيجة فان أمام الجيش خياران لا ثالث لهما في مواجهتها ،الأول هو التفاوض المباشر على ماتريد الإمارات وإخراج المليشيا من المعادلة تماما واخسار الاستثمار فيها لتبقى معزولة ضعيفة بلا دعم ولا مدد وحينها يمكن للجيش الاجهاز عليها في أقل من شهر بعد توقف السلاح والمال والرجال من التدفق.
وهذه المفاوضة ستكون على مثلث المقدرات الاستراتيجية للبلاد من موقع يتمثل في موانئ وسوق وغيرها واقتصاد يتمثل في ثروات فوق وتحت الأرض وقرار سياسي يتمثل في الموقف من المحاور والتطبيع وسد النهضة وغيرها وهو ما يمثل للامارات رافعة ونفوذ سياسي تسعى له وعلى المفاوض السوداني ان يقنع الإمارات دون التنازل عن الكروت وهو شان طويل وفيه شواهد وتجارب مثل الخليج مع أميركا ومثل الخليج مع اخته الكبرى السعودية ومثل كوبا مع أميركا وفنزويلا مع روسيا وسافرد له مقالا اخر .
الخيار الثاني وهو ان ينتهج الجيش سياسة البريطانيين ( prink manship ) وهو مايعرف بسياسة حافة الهاوية حيث يذهب الي اخر الطرف من عصا التوازن ليجبر الخصم اما للذهاب الي النقطة المقابلة او السقوط معا في الهاوية واظنها ستنجح لان ليس للسودان مايخسره مقابل الإمارات وقد جرب العراق تلك السياسة مع الكويت وجربتها اميركا مع الناتو لحظة دخول العراق وجربتها روسيا مع أميركا ايضا في ملف القرم وهي حالات مدروسة ومعلومة، ويساعد السودان في إنجاح ذلك الخيار معرفة الصين وروسيا وتركيا بالقيمة الجيواستراتيجية للسودان والثروات الماهولة فيه والاي ذاقو طعمها وسمعت اذانهم رنين دراهمها والبعد الثقافي له في المنطقة ومايمثله من عمق يفوق الجارة مصر في التاثير وعمل التحولات الكبرى ببطء على غرار الطبقات التكتونية في الارض والتاريخ السوداني القديم يعج بالنماذج المدروسة والتي للأسف لم تدرس من قبلنا .
كل ما أراه أمامي لا اعتبره حربا فان الحرب الحقيقية ستبدأ حين اتخاذ الجيش السوداني احد تلك الخيارات.
م.سامي عبدالوهاب حاج الامين