من خارج الصندوق .. (البعد الأمني في المسألة الافريقية) .. كتب م.سامي عبدالوهاب
حقيقة المسالة الافريقية انها شائكة ومعقدة سيما ان الخرطوم منذ العام الفان وخمسة قد اختارت المدخل الأمني للتعامل مع عمقها الافريقي لما للقارة من حساسية أمنية نظرا لمقاطع النفوذ والمصالح والثروات والهجرة وغيرها ونظرا لطبيعة التكوين الأخلاقي للمسؤول الافريقي مهما علت رتبته .
أنشأت الخرطوم على اثر ذلك التوجه وكالة سيسا والتي تجمع أجهزة الأمن الأفريقية وعقدت لها المؤتمرات ومولتها وروجت لها والقت بثقلها الأمني كله فيها ونجحت في ذلك نجاحا منقطع النظير بلغ به المدى ان اصبحت وسط وشرق أفريقيا ساحة مغلقة للخرطوم لا ينافسها فيها أحد، واجتهد قوش في ذلك ايما اجتهاد وتم تحييد النفوذ البريطاني لصالح الخرطوم وساهمت واشنطن في ذلك لقاء تعاون الخرطوم في مكافحة الإرهاب الذي كان في أوجه ونجحت الصفقة التي عرف مفتاحها الأمني بالربح للجميع ، مرت السنون وضعفت الخرطوم بعد العام 2016 وتضاءل نفوذ الخارجية بعد وفاة صلاح ونسي الاسلامي القوي في كابينة القيادة والمدعوم من قطاعات نفوذ واسعة ومرضي عنه من رأس السلطة الذي بدا يجمع خيوط السلطة رويدا رويدا في يده وكان أوسع مظاهر ذلك الضعف واكبر اسباب الانهيار ازاحة الحرس القديم المتمثل في الصقرين (علي نافع )دفعة واحدة وبروذ نجم طه عثمان مدير مكاتب الرئيس وتسلمه ملف أفريقيا كاملا وابعاد الخارجية عنه اضافة لنوذ غير مسبوق متمثل في ادارة كل مكاتب الرئيس الحزبية والرسمية ووزارة مجلس الوزراء ومبعوث خاص لراس الدولة كاملا وتزايد النفوذ الإماراتي في السودان وتقزمت الخرطوم كمركب صغير في بحر متلاطم الامواج ،ضعفت اقتصاديا لدرجة عجزت ان تدفع لعدة سفارات لها في الخارج دعك عن تمويلات عمليات مساعدة متعلقة بالامن والنفوذ وتقلص دورها الي ان أتت قاصمة الظهر حين انتقل الرجل الأكثر نفوذا وقتها من العمل لصالح البشير الي العمل لصالح البلاط الملكي السعودي مسؤولا من علاقات السعودية بافريقيا في خارجيتها، في ظاهرة غير مسبوقة وهي الاولى من نوعها في السودان حاملا معه أخطر وأهم الملفات .
وهنا بدأت نقطة التحول السريع والدراماتيكي في العلاقات الخارجية السعودية وتحولت الخرطوم من بوابة أفريقية لمجرد نافذة صغيرة في جدار السعودية على سور أفريقيا فبلغنا الحد الذي فعلت فيه كينيا واديس مافعلت ونحن بلا حيلة سوى محاولات المناورة بالقضايا الاستراتيجية مثل الإرهاب وأمن البحر الاحمر ومياه النيل والهجرة غير الشرعية وهي قضايا يحتاج توظيفها أدوات كثيرة مفقودة لدى الخرطوم حاليا .
الوضع الحالي طارئ وحارج بالقدر الذي يحول كل العمل الديبلوماسي لقضية أمنية هي عند المخابرات السودانية حاليا ،وهو جهاز بطبيعته يعمل في الظلام ويستخدم السواتر وتعتيم الاهداف وتتسم تحركاته بالمناورة والمراوغة الدائمة ما يجعل قراءة تحركات الخرطوم الديبلوماسية حاليا ضربا من المستحيل لا ينفع معها الاعتماد على بروتوكول استقبال او تصريح مسؤول او قرار صغير هنا أو هناك تأثيره تكتيكي قريب فالمعهد اليوم عند الخرطوم أمني بحت وكل الملفات المتحركة حاليا استراتيجية لأبعد مدى ولا يسع كل المحللين سوى التمني والدعاء مهما حاولوا التنجيم الأمر الذي يستوجب علينا مؤازرة ومباركة كل تحركات الخرطوم عن عين عمياء وقلب شفوق .