الحرب تعيد مدينة نيالا الى عصر ما قبل الاتصالات
لم يخطر ببال المحامي يوسف محمود ان انقطاع الاتصالات من مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور منذ الأيام الأولى للحرب، التي اندلعت في 15 ابريل، ستجعله آخر من يسمع بخبر وفاة شقيقه الأستاذ الجامعي دكتور الطيب محمود.
تربط يوسف علاقات خاصة مع شقيقه تختلف عن غيره من أفراد الأسرة فلم يقضيا يوماً إلا وتحدثا فيه لفترات طويلة عبر الهاتف لكن حرب 15 ابريل حالت دون تواصلهما المعهود بحكم أن يوسف يقيم في نيالا ثاني أكبر مدن السودان وبروفيسور الطيب في العاصمة الخرطوم.
في أغسطس الماضي نشر محمود في صفحته في الفيسبوك سيناريو تلقيه نبأ وفاة شقيقه بروفيسور الطيب بطريقة أقرب الى نقل الأخبار في العصور الوسطى، حيث قال انه لم يعلم بذلك الا بعد مضي عشرة أيام من وفاة شقيقه في الخرطوم
قصص محزنة
ويشارك المحامي يوسف الكثيرون من سكان نيالا قصصا حزينة تسبب فيها انقطاع شبكات الاتصالات عن مدينة نيالا، في وقت كانت تشهد فيه المدينة معارك ضارية بين الجيش والدعم السريع يموت فيها عشرات السكان بصورة شبه يومية.
وقال المحامي محمد الريح انه ظل في مدينة نيالا أكثر من شهر دون ان يتواصل مع افراد أسرته خارج نيالا، وذكر انه سافر 160 كيلو متر الى مدينة الضعين في أواخر سبتمبر الماضي فقط ليطمئن أفراد اسرته في بقية مدن السودان عن حالهم في نيالا.
في الأثناء طالعت دبنقا عشرات المنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك لبعض الأسر تسأل فيها عن ابنائها بمدينة نيالا والوضع في الأحياء التي يقطنوها وماذا جرى فيها، وفي الغالب يأتي الرد من أشخاص خرجوا من نيالا الى مدن أخرى تتواجد فيها شبكات الاتصال، بينما اتجه البعض الى كتابة رسائل نصية على الورق وارسالها من مدن الضعين والفاشر إلى نيالا والعكس عبر سائقي المركبات السفرية لمعرفة احوال أهلهم.
الانترنت الفضائي
في غضون ذلك بدأت قطاعات من مجتمع مدينة نيالا وبعض مدن دارفور التي فقدت شبكات الاتصالات بسبب تدمير البنية التحتية للشبكات جراء المعارك الضارية التي شهدتها بين – بدأت – في استجلاب خدمات الانترنت الفضائي للاستثمار عبر أجهزة “واي فاي” فكانت بمثابة الملاذ الذي يلجأ إليه كل من يريد ان يتواصل مع اسرته واصدقائه خارج مدينة نيالا.
وحسب متابعات دبنقا فإن المستثمرين في مدينة نيالا استجلبوا ما يقارب عشرة اجهزة انترنت فضائي، الامر الذي جعل التواصل في المدينة أسهل خاصة بعد توقف المعارك بالمدينة التي سقطت في ايدي الدعم السريع في أواخر اكتوبر الماضي، وتوزعت اجهزة الاتصالات الفضائية في اسواق المدينة والاماكن العامة في المدينة ويتصل طالبي خدمة الانترنت بمقابل دفع مبلغ 2000 جنيه سوداني للساعة الواحدة.
لكن رغم هذه الحلول ظل مواطنو مدينة نيالا يطالبون بعودة شبكات الاتصالات، لجهة ان التواصل بالإنترنت الفضائي باهظ الثمن اضافة إلى ان الخدمة تقدم في أماكن عامة لا توفر خصوصية ويصعب على المتصلين التحدث بحرية حول خوفاً من أعين وآذان الاستخبارات العسكرية، باعتبار ان المدينة لا زالت تحت وطأة الحرب.
عجز الدعم السريع
وبعد سقوط مدينة نيالا في أيدي الدعم السريع لم تعد الاتصالات للمدينة رغم وعود قيادة الدعم السريع بأنها ستوفر كل الظروف الممكنة للشركات لإعادة الخدمة، وقال احد شباب يعيش في نيالا طلب حجب اسمه لدواعي امنية، إن شركات الاتصال الثلاث “سوداني، زين، ام تي ان” طلبت من الدعم السريع توفير 150 برميل وقود للتشغيل، لكن الدعم السريع رأى ان تكلفة تشغيل الشبكات باهظة جداً في الوقت الراهن، وبحسب متابعات دبنقا فإن تكلفة برميل الجازولين يبلغ 550 ألف جنيها سودانيا، وأبان احد موظفي شركة زين للاتصالات ان واحدة من المشاكل التي حالت دون عودة الشبكات هي عمليات السرقة الوقود من المولدات الخاصة بتشغيل الشبكات.
مشاكل فنية
قال الموظف بشركة زين “و، ع” لدبنقا أنه بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه الشبكات في توفير الوقود وعمليات السرقة التي تتعرض لها فإن شركة “زين” تأثرت بقطع الكيبلات في عدة مواقع بسبب الحرب، وأضاف “نحن في شركة زين متأثرين بانقطاع الكيبل بضربة الطيران لكبري شمبات الرباط بين مدينتي “ام درمان وبحري” وكذلك انقطاع الكيبل في المنطقة ما بين “مرشينج ودمة” شمالي مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، لكنه أشار الى ان هناك مساعي تبذلها الشركة لإعادة الاتصالات عبر خدمة “الفايبر” في منطقة لم يفصح عنها، ولفت الى ان حلول مشاكل شركتي “سوداني وام تي ان” متوقفة على توفير الوقود وحمايتها من السرقات.