جريدة بريطانية : ماذا حملت حقيبة البرهان إلى أديس أبابا؟
ماذا حملت حقيبة البرهان إلى أديس أبابا؟
زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني أكدت ودية العلاقة بين البلدين وتجاوزهما الخلافات
بدت زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان إلى إثيوبيا الأربعاء الماضي بمثابة تضميد جراح تعانيها الدولتان، إذ تشهد الخرطوم حرباً مستمرة منذ الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، بينما تواجه أديس أبابا تمرداً لمجموعة مسلحة في إقليم أمهرة، وكذلك تعطي دلالة على الدور الذي تلعبه إثيوبيا في الملف السوداني، مما أثار تكهنات حول انفراجة قريبة للأزمة.
وأعطت الزيارة كذلك دلالة على الخطوات الجادة لطي ملف الخلافات بين البلدين، إذ ساد التوتر بعد حرب السودان عندما رفضت الخرطوم مواقف إثيوبيا واعتبرتها منحازة لميليشيات “الدعم السريع”، فعبّر بيان لوزارة الخارجية السودانية في يوليو (تموز) الماضي عن رفضه توجهات لجنة “إيغاد” ببحث نشر قوات “شرق أفريقيا للطوارئ لحماية المدنيين”، ووصف البيان حينها حديث إثيوبيا وكينيا التي تترأس “إيغاد” عن فراغ داخل القيادة في السودان بأنه “مجرد أمنيات وتجسيد لرغبات قوى دولية”.
بعد أمني مشترك
وزيارة البرهان لأديس أبابا أشارت إلى أهمية علاقات البلدين في ظل الأوضاع الإقليمية وما تمثله الدولتان لبعضهما من بعد أمني مشترك يتأثر بوقائع ما يحدث في أي منهما، وتعكس مرافقة حاكم إقليم شمال دارفور مني أركو مناوي للبرهان خلال الزيارة، حرص القيادة السودانية على الكشف عن الأبعاد الإنسانية في الصراع وتجاوزات ميليشيات “الدعم السريع”.
في هذا السياق، يقول رئيس تحرير صحيفة “العلم” الإثيوبية أيوب قدي إن “زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني تأتي تأكيداً على أن الخرطوم لم تغفل عن أهمية إثيوبيا ودورها من منطلق موقعها الاستراتيجي في القرن الأفريقي، وكذلك ظل رئيس الوزراء آبي أحمد يحرص على بذل جهود تفضي إلى توافق سوداني- سوداني منذ تفجر الوضع السياسي عقب عزل الرئيس السابق عمر البشير”.
ويضيف أن “استقرار السودان هو استقرار لإثيوبيا، وما يحدث للشعب السوداني شيء مؤلم بحسب ما جاء خلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي للمتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية السفير ملس ألم”.
وعن أثر التوترات يشير قدي إلى أن “الاضطرابات سواء في السودان أو إثيوبيا لها آثار على البلدين بحكم موقعهما الجغرافي، وليس هذا فحسب، بل إن إثيوبيا والسودان يعتبران من الدول الحاضنة للاجئين في القرن الأفريقي، لذلك فإن الاضطرابات فيهما لن تجلب سوى الخراب والدمار والهجرة الخارجية والداخلية”.
وأردف أنه “بذلك يكون استقرار السودان جزءاً لا يتجزأ من استقرار إثيوبيا والعكس صحيح، إذ يشترك البلدان في حدود بطول 1600 كيلومتر وهما وجهان لعملة واحدة، والاضطرابات في السودان لا تؤثر في إثيوبيا فحسب، بل في منطقة القرن الأفريقي. فعلى سبيل المثال إثيوبيا تعاني أزمات وتمرداً داخلياً ظهرت تداعياته على السودان في شكل تدفق للاجئين وأزمات سياسية عدة، وعلى مستوى آخر تقوم إثيوبيا بدور وسيط موثوق به في عملية التوافق القائم في السودان، فتأزم الأوضاع في السودان له تأثيره الخطر في إثيوبيا وفي المنطقة كلها”.
ويوضح قدي أنه “وفقاً للتقارير الواردة من الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة حددت منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى باعتبارها المناطق الأكثر خطراً لتصدير الإرهاب المحلي والدولي، وأن هذا الجزء من القارة عرضة أيضاً لعدد من الصراعات الداخلية والإقليمية. وضمن هذه الحيثيات يجب على الدولتين الشقيقتين التنبه للأخطار التي تستهدف استقرارهما، سواء كانت أطماعاً دولية أو تهديدات إقليمية بفعل الإرهاب والعناصر المرتزقة التي تحركها جهات ذات أطماع في المنطقة”.
شفافية
من جهته يقول الباحث في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز إن “العلاقات السودانية- الإثيوبية ستأخذ مساراً جديداً مختلفاً عن مسارات سابقة”، مشيراً إلى أن “اللقاء الأخير بين البرهان وآبي أحمد اتسم بالوضوح الشديد وناقش كل القضايا العالقة بشفافية شديدة وموضوعية عالية، وكان الهم الأساسي في هذا اللقاء المصلحة المشتركة للبلدين بما ينعكس على القرن الأفريقي بأكمله”.
ويضيف “السودان وإثيوبيا لديهما موارد لا تحصى ولا تعد، فقط تحتاج إلى الاستثمار الخارجي، وهذا لا يحدث إذا لم يكن هناك استقرار في المنطقة، ومن أجل ذلك يجب على البلدين السعي الجاد إلى تحقيق هذا الاستقرار لمصلحة الطرفين ولمصلحة المنطقة بكاملها”، مردفاً “سعت إثيوبيا إلى أن يكون السلام بديلاً للحرب في أقاليم البلاد المختلفة وهذا أمر في غاية الأهمية وبذلت جهوداً كثيراً بالنسبة إلى هذا الملف، لكن كيف يتم هذا السلام ولديها أكثر من 10 ملايين لاجئ في السودان، بينما الأخير مشغول بحرب داخلية في العاصمة وبعض الولايات؟”.