تداعيات الحرب تدفع قطاع النقل السوداني نحو الانهيار
ارتفاع كلف التشغيل وانعدام قطع الغيار ورداءة الطرق في ظل انكماش حركة السفر بسبب التذاكر
تتزايد المخاوف من انهيار قطاع النقل في السودان وتوقفه تماماً عن العمل بعد ارتفاع كلف التشغيل وانعدام قطع الغيار ورداءة الطرق، وكذلك انكماش حركة السفر إثر الزيادة الكبيرة في ثمن التذاكر بالنسبة إلى المواطنين.
وتلقى القطاع ضربات موجعة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، مما تسبب في خروج 75 في المئة من شركات البصات السفرية (حافلات نقل جماعي) عن الخدمة نتيجة مشكلات وأزمات عدة تحاصرها من بينها المديونيات الضخمة وارتفاع أسعار المحروقات المستمرة.
أهمية بالغة
تشكل البصات السفرية عصب حركة نقل الركاب بين ولايات البلاد المختلفة، إذ تسهم بنقل 90 في المئة، مقابل سبعة في المئة للطيران، وثلاثة في المئة للحافلات، وتواجه الأخيرة إلى جانب السيارات الصغيرة أخطار النهب والسلب في طرقات أقاليم دارفور وكردفان، لذلك بات الاعتماد على البصات بشكل كامل في عملية التنقل إلى الوجهات المختلفة داخل السودان ودول الجوار، بخاصة مصر وبأسعار مناسبة مقارنة بالطيران، ويخشى كثير انهيار قطاع النقل وتفاقم أزمة السفر حال استمرار المشكلات التي تواجه شركات البصات السفرية.
انهيار وشيك
في هذا السياق قال الأمين العام لغرفة البصات السفرية في السودان أحمد علي نابكو إن “مستقبل قطاع النقل يواجه شبح الانهيار التام والتوقف الكامل نتيجة أزمة قطع الغيار بسبب عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها معظم المحال التجارية التي توفر أدوات التشغيل وقطع الغيار خلال الاشتباكات المسلحة في الخرطوم، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها إلى ثلاثة أضعاف، فضلاً عن انعدامها في الأسواق المحلية ولجوء كثر إلى الاستيراد من دول الجوار بالعملات الأجنبية”.
واعتبر نابكو أن “الحرب أسهمت في تفاقم أوضاع قطاع نقل البصات، وخرجت على أثر ذلك 75 في المئة من الشركات عن الخدمة، واستمرار الوضع الحالي يلحق دماراً شاملاً بالقطاع ويتوقف عن العمل بشكل كلي، على رغم دوره الاستراتيجي والخدمي وأهميته البالغة”.
وكشف الأمين العام لغرفة البصات السفرية عن مديونيات ضخمة على أصحاب الشركات من قبل البنوك لم تسدد بعد، وتوقع إيداع غالبيتهم السجن عقب توقف الحرب
ونبه نابكو إلى أن “أزمة قطع الغيار أخلاقية في المقام الأول، خصوصاً بعد تنامي ظاهرة السلب والنهب، مما أحدث ندرة وانعداماً شبه تام لأدوات التشغيل المختلفة، ومن يملك محال متخصصة في هذا المجال يتحكم في الأسعار كيفما يشاء”.
ارتفاع أسعار التذاكر
إزاء هذا الوضع، ارتفعت أسعار تذاكر البصات السفرية بنسبة 50 في المئة إلى جميع وجهات الولايات وبعض دول الجوار، ووصلت تذكرة النهود الأبيض إلى 30 ألف جنيه سوداني (50 دولاراً) والأبيض إلى 35 ألف جنيه (58.2 دولار)، وود مدني بورتسودان 45 ألف جنيه (75 دولاراً).
المواطن محمد عبدالغني فوجئ بارتفاع كلفة السفر إلى مدينة القضارف، مما جعله يصرف النظر عن معاودة أسرته والبقاء في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم لعدم قدرته على توفير ثمن التذاكر ذهاباً وإياباً، مشيراً إلى أن أصحاب البصات السفرية لا يستجيبون إلا بعد الدفع المقدم دون مراعاة للظروف في ظل الوضع المتأزم الذي تعيشه البلاد على الصعد كافة.
ولفت عبدالغني إلى أنه “لا يعرف مبرراً محدداً لارتفاع أسعار التذاكر بصورة غير مسبوقة وفي أوضاع إنسانية صعبة يعانيها آلاف السودانيين”، وعد الأمر جشع واستغلال لحاجات المواطنين من قطاع ينبغي أن تكون مهمته الأساسية تقديم خدمات سهلة وميسرة.
أزمات عدة
وفي هذا الصدد ذكر صاحب مكتب سفريات بصات بمدينة ود مدني عمر الطاهر أنه “مع استمرار الحرب وصلت أسعار قطع الغيار إلى أرقام لم تحدث في تاريخ البلاد، والسبب يرجع إلى انعدامها من الأسواق، فضلاً عن ارتفاع أسعار المحروقات التي أصبحت تباع في السوق السوداء إلى جانب كلف التشغيل”.
واعتبر الطاهر تردي الطرق القومية سبباً مباشراً في تهالك البصات، بخلاف “الأخطار التي تهدد حياة المسافرين نتيجة لتعدد حوادث السير بسبب عدم توفر جانب رقابي، إضافة إلى مراقبة السرعة الزائدة والتخطي الخاطئ وقطع الإشارة الحمراء”.
وتابع المتحدث “غرفة البصات السفرية اضطرت إلى رفع أسعار التذاكر لمواكبة مستجدات كلف التشغيل المتصاعدة، بخاصة بعد انهيار الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، وهي زيادات كبيرة تلقي أعباء إضافية على المواطن الذي بات يتحمل تبعات اضطرابات أسعار الوقود وقطع الغيار”.
صعوبات وتسهيلات
يرى المتخصص في إدارة النقل البري طارق الفاضل أن “القطاع يعمل في ظروف بالغة التعقيد من أجل استمرار وضمان خدمات نقل جيدة ومستقرة للمواطنين”، لافتاً إلى “تردي الطرق وانتهاء عمرها الافتراضي من دون إحلال أو تجديد أو حتى صيانة، أمور تسهم في تهالك البصات وخروجها عن الخدمة في فترة زمنية وجيزة”، وكذلك “السماح بسير شاحنات من دون موازين للحمولة يترتب عليه ضغط عالٍ على الطرق وتجريف للأسفلت، فضلاً عن أن إطارات بعض البصات السفرية تكون غير آمنة مما يؤدي إلى حوادث مميتة”.
ودعا المتخصص في النقل البري إلى “ضرورة إصلاح القطاع من خلال تقديم بعض التسهيلات فيما يتعلق بقطع الغيار والمحروقات وأدوات التشغيل المختلفة حتى يتمكن من استعادة بعض عافيته وتقديم خدمة سهلة وبأسعار في متناول المواطنين”.