اشتباكات العاصمة تتمدد..تبادل القصف المدفعي في الخرطوم والقذائف تصل أسواق أم درمان

اشتباكات العاصمة تتمدد وسقوط 8 قتلى وعشرات المصابين وتداعيات إنسانية لمعارك الأبيض والعيلفون

قبيل ثلاثة أيام من إكمال حرب السودان شهرها السادس، تواصلت في مختلف أنحاء العاصمة السودانية المعارك والاشتباكات والقصف المتبادل بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، أمس الثلاثاء، تبادل خلالها الطرفان القصف المدفعي الثقيل في أكثر من موقع في مدنها الثلاث (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري).

قصف متبادل

وقالت مصادر عسكرية، إن الجيش رد على محاولات استهداف مواقعه في سلاح المدرعات والقيادة العامة وسلاح المهندسين، بقصف مواقع منصات “الدعم السريع” ونقاط ارتكازه جنوب وشرق ووسط الخرطوم من اتجاهات عدة، مشيرة إلى أن القواعد العسكرية في كرري ووادي سيدنا شمال أم درمان قصفت، وكذلك التمركزات في وسط وشرق المدينة.

أوضحت المصادر ذاتها، أن قوات العمل الخاص واصلت عمليات التمشيط البري في مناطق جبرة جنوب الخرطوم، ونفذت مهام عدة ناجحة خلف خطوط العدو في أم درمان أسفرت عن قتل عدد من الجنود بينهم قياديون وتدمير وحرق عدد من العربات.

ونشر الجيش عبر صفحته في “فيسبوك” مقطع فيديو لعدد من ضباطه وجنوده من داخل سلاح المدرعات الذي كان مسرحاً لمعارك واشتباكات ضارية بين الجانبين لأسابيع مضت، وهم يؤكدون قرب حسم المعركة ويرسلون تحذيرات لقوات “الدعم السريع” من مغبة محاولة الاقتراب مجدداً من الموقع.

قتلى وجرحى

وأدى سقوط عشرات القذائف المدفعية على سوق مكتظة داخل أحياء منطقة الفتيحاب جنوب أم درمان إلى مقتل 8 مواطنين مدنيين وعشرات المصابين.

واتهمت تنسيقية لجان مقاومة منطقة الفتيحاب في بيان مساء أمس الثلاثاء “الدعم السريع” بإطلاق عشرات القذائف على سوق “أم دفسو” المكتظة بالمواطنين وسط الأحياء في المنطقة، مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على المليشيات لوقف الانتهاكات بحق المدنيين العزل.

وفق شهود عيان، أدى القصف المدفعي المتبادل إلى سقوط قذائف مدفعية “دانات” في حي القمائر وسط أم درمان تسببت في إصابة وجرح عدد من المواطنين وأضرار في منازل عدة بالمنطقة، كما شكا مواطنون من حي ودنوباوي من وجود قناصة قبالة شارع الدومة.

وقال مواطنون في أم درمان إن شمال المدينة شهد منذ الفجر هدوءاً نسبياً وسمعت أصوات ودوي انفجارات أقل من تلك التي اعتادوا على سماعها كل يوم.

وأبدى المواطنون مخاوفهم من أن المنطقة باتت تتعرض باستمرار لقصف مدفعي من منصات قوات “الدعم السريع” في شمال الخرطوم بحري وغرب أم درمان وكذلك أم درمان القديمة، كما تدفع أيضاً ثمن أخطاء وعدم دقة حيثيات مدفعية الجيش من منطقة كررى.

تداعيات الاجتياح

لتلافي تداعيات اجتياح قوات “الدعم السريع” لضاحية العيلفون شرق الخرطوم قبل ثلاثة أيام، ناشدت لجان مقاومة المنطقة الصليب الأحمر الدولي للعمل على تلافي الوضع الإنساني الكارثي في المنطقة، بخاصة بعد أن عجزت كل الجهود في إخراج العالقين وسط القتال، وكذلك العمل على فتح ممرات آمنة لإخراج المدنيين وعلاج المصابين ودفن الجثث المنتشرة في الطرقات.

في المنحى ذاته، أكد مرصد شرق النيل لحقوق الإنسان، استمرار استباحة قوات “الدعم السريع” لأحياء الضاحية لليوم الرابع على التوالي وممارسة الانتهاكات ضد المواطنين العزل مع تواصل حملات اعتقال الشباب.

ولفت بيان المرصد إلى أن انعدام وسائل النقل والممرات الآمنة جعل مئات الأسر العالقة داخل الأحياء تخشى المغادرة، مما أدى لوفاة عدد من كبار السن والمرضى داخل منازلهم، مع وجود عمليات سرقة ونهب، وتواتر المعلومات عن حالات اغتصاب يجري التحقق منها.

وعلى رغم الهدوء الحذر داخل مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، تسود حالة من الهلع والرعب وسط المواطنين، مع حركة نزوح داخلي كبيرة من الأحياء الشرقية إلى المناطق الأكثر أمناً، كما تسببت المعارك أيضاً في توقف مركز غسيل الكلى بمستشفى الأبيض وخروجه من الخدمة نتيجة لتوقف الإمداد الدوائي منذ ثلاثة أيام، وفق تنويه صادر عن المستشفى.

مطالب جماهيرية

حول مسار المعارك والحرب على مشارف الشهر السابع، أوضح مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان أحمد المفتي، أن السواد الأعظم من المواطنين الداعمين للجيش يطالبونه بإعادة الحياة الطبيعية الآمنة اليوم قبل الغد، حتى يتمكنوا من العودة فوراً إلى العاصمة وتوفير لقمة العيش لأسرهم، مع تعويض إسعافي يجبر ما أصابهم من ضرر، مشيراً إلى أن على الجيش اختيار طريقة الوفاء بتلك المطالب سواء حرباً أو بالتفاوض.

وتابع المفتي “المواطنون ينظرون إلى أن استمرار هيمنة (الدعم السريع) على بعض المواقع والهجوم المتكرر على مناطق أخرى داخل وخارج العاصمة، فضلاً عما يتعرضون له من نهب وسلب وإهانة وتعطل مصالحهم وكسب عيشهم، أمر يشين الجيش ولا يزينه، مهما كانت الأسباب والمبررات”.

ولفت الحقوقي إلى أن الوضع العسكري الراهن لا يوحي بإمكانية حسم المسار العسكري قريباً، وأن كثيراً من المواطنين باتوا يشعرون بأن بيانات الجيش حول الوضع على أرض الواقع أصبحت لا تطمئن كثيراً من المواطنين، بل جعلتهم في حال من الارتباك.

وتوقع المفتي أن جولات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان المقبلة قد لا تجد الاحتفاء الجماهيري ذاته الذي ظلت تحظى به حالياً، مما يؤثر سلباً بدوره في معنويات الجيش، لافتاً إلى أن أي معاملة طيبة من قبل قوات “الدعم السريع” للمواطنين قد تقابل بالرضا بسبب يأسهم، مما سيشكل خسارة كبيرة يمكن أن تتطور في اتجاه يضعف البلاد.

ويرى المفتي أن على الجيش تدارك هذا الوضع عاجلاً بالوفاء بمطلوبات المواطنين، لأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار إلى مالا نهاية، وقد ينفجر في اتجاهات مضرة بالسودان.

اقتتال قبلي

بعد وقت قصير من زيارة القائد الثاني لقوات “الدعم السريع” عبدالرحيم دقلو لدارفور، تجددت الاشتباكات التي لم تهدأ بين قبيلتي “البني هلبة” و”السلامات” في منطقة وسطاني بمحلية مكجر بولاية وسط دارفور مما أدى لمقتل وإصابة العشرات.

تجدد الاشتباكات جاء في وقت تستعد فيه اللجان الأهلية لعقد مؤتمر صلح بين القبيلتين، خطط له أن ينعقد في مدينة كاس في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، بضمان من قوات “الدعم السريع”.

وأبدت منظمة شباب من أجل دارفور “مشاد”، أسفها لما تشهده ولايتا جنوب ووسط دارفور من أحداث مأسوية وكارثية يعيشها المواطنون العزل، مشيرة إلى أن مدينة نيالا ما زالت تشهد اشتباكات متجددة منذ أكثر من أسبوعين، ما تسبب في أعداد كبيرة من القتلى والجرحى والمصابين، وتدهور الخدمات في الولاية لا سيما الرعاية الصحية.

ووصفت “مشاد” ما يحدث في نيالا بأنه تطهير عرقي على نمط مستحدث، بخاصة وأن المليشيات قامت بقطع الشبكة عن المدينة وعزلها عن العالم الخارجي، لافتة إلى أن ولاية وسط دارفور تعاني كذلك من الهجمات المتكررة في ظل أوضاع حرجه للغاية بمدينة زالنجي.

ودعت المنظمة الجهات الإنسانية الصادقة والعاملة في مجالات حقوق الإنسان، العمل على إنقاذ حياة المدنيين العزل، ودعت المواطنين في المدن الآمنة المجاورة الاستعداد لاستقبال موجة نزوح جديدة.

إعمار مبكر

وخلال اجتماع المجلس التنفيذي لمنظمة “اليونسكو” في دورته 217 الذي عقد أمس الثلاثاء في العاصمة الفرنسية باريس، أعربت المجموعة العربية عن أملها في أن تنتهي الحرب ويعم السلام والاستقرار ربوع السودان قريباً.

وفي بيان لها طالبت المجموعة المنظمة بوضع خطة عمل لمرحلة ما بعد الحرب تستهدف إعادة تأهيل المؤسسات التعليمية والثقافية ومواقع التراث العالمي المتضررة من الحرب في البلاد، إلى جانب دعم النساء والفتيات، والحد من العنف المبني على النوع.

تعثر الإغاثة

إلى ذلك، كشفت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم التحول الديمقراطي بالسودان “يونيتامس” كليمنتاين سلامي، عن تأخر نقل الإمدادات الإنسانية إلى ولايات كردفان والنيل الأبيض ودارفور للأسبوع الرابع على التوالي، بسبب انعدام الأمن والاشتباكات بخاصة في بلدة ود عشانا على طريق “كوستي-الأبيض”.

وحضت سلامي، في بيان صحافي، الطرفين على تيسير إيصال المعونة المنقذة للحياة إلى جميع المحتاجين إليها بشكل عاجل.

وفي أحدث تقاريره أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان “أوتشا” تضاعف عدد النازحين داخل السودان وخارجه جراء استمرار الاشتباكات بين القوات المسلحة و”الدعم السريع”.

فرار متزايد

بدوره كشف التقرير عن تسبب الحرب في مقتل 1200 شخص وجرح 8300 آخرين، فيما فر نحو 5.5 ملايين منذ بدء الحرب في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، استقر منهم 4.4 ملايين شخص في أكثر من أربعة آلاف مركز إيواء بولايات السودان المختلفة بزيادة قدرها 323 ألفاً منذ 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وحذر “أوتشا” من تفشي الأمراض في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك الحصبة والملاريا وحمى الضنك والكوليرا، مشيراً إلى تحول مدارس المراحل الابتدائية والثانوية بولاية الجزيرة إلى دور لإيواء الفارين من جحيم الحرب.

اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة