“كانت هُنا مدينة”.. دمّروا قلب الخرطوم وجعلوه أثرا بعد عين!
“كانت هُنا مدينة”، لربما هذا العنوان الأمثل لما حل بالخرطوم، العاصمة السودانية التي دمّرتها الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أشهر.
فقد استيقظ السودانيون، يوم الأحد الماضي، على مشاهد مُروِّعة لتدمير معالم شهيرة تتوسّط الجُزء الحيوي للمدينة.
فانقلب “القلب النابض” لحركة المال والأعمال بالعاصمة السودانية، المعروف بـ”الداون تاون”، بفعل المعارك، وتحوّلت الأبراج الشاهقة إلى كتل محترقة، عارية من الأبواب والنوافذ.
وصارت المدينة أثراً بعد عينٍ عقب أن زلزلت الطائرات والمدافع والصّواريخ وقار أعمدتها الإسمنتية، فيما تكفلت النيران بالتهام واجهاتها الزجاجية الزرقاء الفخمة.
وانتشرت بكثافة مشاهد الأبراج المُحترقة وكيف تصاعدت ألسنة اللهب والدُّخان من برج النيل الشهير بالخرطوم.
كما انتشرت عمليات التدمير نهار “الأحد الدامي”، حيث طال التدمير أبراج شركة النيل للبترول، ووزارة العدل، وديوان الضرائب والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس.
وتطل تلك الأبراج الشاهقة على شارعي الجمهورية والجامعة، وهما أشهر وأقدم شوارع وسط الخرطوم، وشُيِّدت تلك الأبراج بكلفة اقتصادية باهظة إبان الطفرة النفطية قبل إعلان جنوب السودان استقلاله عام 2011.
إلى ذلك، طالت عمليات التدمير والخراب، برج مصرف الساحل والصحراء بحي المقرن بالطرف الغربي للخرطوم، قُرب منطقة اقتران النيل الأزرق بالنيل الأبيض، حيث يتمزجان ويُشكِّلان معاً نهر النيل.
وكما جرت العادة منذ تفجُّر الصراع الدامي بالسودان، تبادل الطرفان الاتهامات بقصف وتدمير تلك المعالم الشهيرة بالعاصمة، إلّا أنّ مصادر موثوقة أكّدت لـ”العربية.نت” أنّ الطرفين يعتبران تلك الأبراج أهدافاً عسكرية مشروعة، إذ يعتقد كل طرف أنّ الطرف الآخر يتخذ من تلك الأبراج الشاهقة منصات لنصب المدافع والصواريخ وإطلاق القذائف بعيدة المدى، كما تعتبر موقعاً استراتيجياً لاختباء القناصة الذين ينتشرون بكثافة هناك، كما يساعد العلو الشاهق على مراقبة تحركات الطرف الآخر بسهولة ويسر.
ومع دخول معارك الخرطوم بين الجيش السوداني والدعم السريع مرحلة الاستنزاف، تحوّلت كل المنشآت العامّـة والخاصّـة لأهداف عسكرية، بل دخلت حتى خدمات الكهرباء والمياه كسلاح حربي، فمدينة الخرطوم بحري توقّفت المياه عن صنابيرها منذ الساعات الأولى لاندلاع القتال.
في حين اتّهم الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني أمس الاثنين،، الدعم السريع بقطع الكهرباء والمياه عمداً عن أحياء المهندسين وأم بدة والريف الجنوبي بأم درمان لتهجير المُواطنين قسراً عن منازلهم.
يذكر أن سياسة الأرض المحروقة بالصراع السوداني المسلح كانت طالت كل مظاهر الحياة بالخرطوم التي تحوّلت إلى مدينة أشباح.
ولم تنجُ منها المقار العسكرية أو المدنية، التاريخية منها والحديثة حتى المتاحف لحقها الأذى، إذ شهدت البلاد كيف واجه متحف التاريخ الطبيعي بالخرطوم منذ بدء الحرب مصيرا قاتما ونهاية مأساوية لأعداد ضخمة من الحيوانات والطيور داخل المتحف، بينها سلالات نادرة مهددة بالانقراض، سواء بالقصف أو بالنفوق جوعا وعطشا.
كما تعرض متحف السودان القومي أكبر متاحف البلاد للتخريب، ويضم المتحف الأثري مُقتنيات، ونفائس، وكنوز ثماثيل أثرية نادرة تعود للعصور الحجرية، والمسيحية والإسلامية بالسودان.
المصدر / قناة العربية