الشَّفْشَافُون في الخرطوم.. إفراز جديد لحرب الجنرالين

أولئك الذين يخاطرون بأنفسهم، ويغامرون بأرواحهم لتفقد المنازل والمكاتب، والعودة لإحاطة أصحابها بما جرى فيها

يبدو جلياً أنّ الحرب الطاحنة بالسودان أفرزت واقعاً جديداً لم يألفه السودانيون من قبل. هذا الواقع الجديد انسحب حتى على المهن ووسائل كسب العيش هناك، فعلى سبيل المثال ظهر على السطح مصطلح الشَّفْشَفَة أو الشَّفْشَافين وسط سكان العاصمة السودانية الخرطوم، بطريقة مُغايرة بعد اندلاع حرب الجنرالين منتصف أبريل الماضي؛ ليبرز السؤال، من هم؟ وماذا يفعلون؟

الشَّفْشَاف وظيفة جديدة وسط سكان العاصمة السودانية الخرطوم، وتشير إلى الشخص الذي تقوم بالاتفاق معه هاتفياً للذهاب إلى منزلك أو مكتبك ليعطيك تفاصيل ما حدث هناك بالصوت والصورة، كما يمكنك إرشاده إلى أماكن الأوراق المهمة والمستندات الضرورية، وعلى رأسها وثائق السفر، ليقوم بجلبها إليك بمقابل مالي متفق عليه.

مع كل ذلك لا يظنن أحدٌ أن الشفشفة مهنة عابرة أو سهلة، فهي مهنة تحتاج إلى شخص ذي مواصفات خاصّة، ويجب أن يتسم بالهدوء ورباطة الجأش والمعرفة الدقيقة بالمداخل والمخارج تحسباً لأي طارئ، بجانب القُـدرة على الافتكاك من الفخاخ المنصوبة وتقديم دفوعات منطقية لعبور الارتكازات ونقاط التفتيش إلى حيث يريد.

كل ما تقدم يجعل الشفشفة مهنة محفوفة بالمخاطر، لأن الشفشاف عادةً ما يعمل خلف خطوط التماس العسكرية، فهي لا تقبل الخطأ على الإطلاق لأن الموت أو الاعتقال والبطش والتنكيل ستكون النتيجة الراجحة حينها، خاصّة داخل المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

الروائي السوداني مهند الدابي يشير إلى أن “الشفشفة” وظيفة من إفرازات هذه الحرب. و”الشفشاف” شخصٌ يقوم باستجلاب حاجيات الأشخاص النازحين خارج الخرطوم، مقابل مبلغ مالي متفق عليه، وفي الغالب هو مبلغ كبير، فأنت تحتاج إلى نحو 500 دولار أميركي مقابل غرض واحد أو ألف دولار لمجموعة من الأغراض لا تتضمّن الأموال والذهب والعربات، فتلك لها نظامٌ وشأن آخر.

ويضيف الدابي لـ”العربية.نت”: هذا الشفشاف أيضاً يقوم بأعمال عدة مثل تعريف أصحاب المنازل بأوضاع منازلهم ومدى تضررها من القصف أو مدى سلامتها من السرقات أو مدى تلفها، كما يُمكنه أن يقوم بمهام خاصّة جداً في مقابل مبلغ محترم، كأن يذهب إلى صيدلية مُعيّنة ليقوم بفض الأقفال لإحضار دواء غير موجود، أو يمكنه أن يذهب إلى مكان عملك حيث نسيت مفاتيح خزانتك أو قسيمة زواجك، والتي من دونها لن يستقبلك أحدٌ في شتى أنحاء السودان وستضطر إلى أن تقيم بعيداً عن زوجتك وأطفالك.

الشفشفة مفردة لديها معانٍ شتى بقاموس اللغة العربية، ومثلاً تقول”شَفْشَفَ الحَرُّ الشيءَ: جفَّفَهُ وأَيْبَسَهُ”، كما لديها معانٍ أخرى، إلا أنّ الشفشفة والشفشافين عند السودانيين كانت تعني اللصوص الذين يسرقون ما خفّ وزنه وغلا ثمنه كالنقود والمشغولات الذهبية والهواتف النقّالة، إلّا أنّها تحوّرت من الشر إلى الخير بعد اندلاع حرب الجنرالين بالخرطوم منتصف أبريل الماضي، إذ صارت صفة إلى أولئك الذين يخاطرون بأنفسهم، ويغامرون بأرواحهم لتفقد المنازل والمكاتب، والعودة لإحاطة أصحابها بما جرى فيها، ويصبحون أداة مضمونة ووسيلة ناجعة لإعطاء الحقائق المُجرّدة وبث رسائل الاطمئنان وإعادة الأمور إلى نصابها.

مقالات ذات صلة