الحرب تفرز مصطلحات جديدة .. السودانيون يتحدثون بلغة «ناس الشجرة» و«الدعامة» و«الكيزان» و«البلابسة»
أفرزت الحرب الجارية في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قاموساً جديداً من المصطلحات الشعبية ذات الخلفية السياسية والعسكرية الغريبة، أبرزها عبارة «بل بس» التي تعني إجرائياً «مواصلة الضغط والضرب»، وتعد تطويراً لمصطلح «تسقط بس» الذي استخدمه المحتجون المشاركون في ثورة ديسمبر 2019.
وقد راجت هذه المصطلحات في ظل اشتعال الحرب الكلامية على منصات التواصل الاجتماعي بين طرفي الصراع، الجيش والدعم السريع، وظهور أعداد ضخمة من «الإنفلونسرز» (المؤثرون الإعلاميون)، و«اليوتيوبرز» (الذين يبثون في يوتيوب) و«اللايفاتية» (الذين يبثون فيديوهات لايف) المناصرين لهذا الطرف أو ذاك على منصات التواصل الاجتماعي وتحولها إلى مصدر للمعلومة والرأي في الحرب، لايقل أهمية عن وسائل الإعلام المعتمدة بحسب خبراء ومراقبين.
وقال الكاتب الصحافي عبدالجليل سليمان، إن «المخيلة السياسية السودانية تميل إلى نحت المصطلحات الجديدة، و(سودنة) المصطلحات الموجودة وصبغها بالثقافة المحلية السائدة، ومن ذلك إطلاق مصطلح (القحاتة) على داعمي الأحزاب وأعضاء المجتمع المدني والنقابات الموقعين على إعلان قوى الحرية والتغيير الذي اختصر إلى قحت، وكذلك إطلاق لفظ (الدعامة) على جنود وأنصار قوات الدعم السريع وهكذا، وقبلها إطلاق (الكيزان) على منتسبي نظام الإنقاذ. أما (بل بس) فهي على وزن كلمة (تسقط بس) التي استخدمها المحتجون في مظاهرات ثورة ديسمبر ضد نظام البشير، ومعنى كلمة (البل) حالياً هو الضغط الشديد والمتواصل، وقد تطور منه شعار (الحل في البل)، أي في مواصلة الضغط العسكري».
وقال السياسي السوداني القيادي في حزب المؤتمر عاصم عمر لـ«الإمارات اليوم»، إن «مفردة (بل بس) استخدمت فعلاً في ثورة ديسمبر، وكانت وقتها تعني استمرار المواجهة السياسية أو الاحتجاجية الجذرية ضد نظام البشير، ولامكان للحلول الوسط بين الثورة والإنقاذ، لكنها تعني اليوم الانحياز لبديل الحرب بين الجيش والدعم السريع واستمرار المواجهة العسكرية، والأصل اللغوي للمصطلح هو (بل الخصوم)، أي إغراقهم بالكامل في الماء والانتصار عليهم».
واستطرد عمر «أن الشارع طور المصطلح حالياً واشتق منه كلمة (البلابسة)، أي المؤمنون فقط بالبل أو الخيار العسكري فقط كحل لإنهاء النزاع»، كما أنه تطور تهكمياً ليصبح معناه الأشخاص الذين ينادون بالحرب و«البل بس»، بينما هم جالسون تحت أجهزة التكييف في العواصم المختلفة خارج السودان بعيداً عن جحيم الحرب وويلاتها، لذا أصبحت عبارتا (تسقط الحرب) و(يسقط البلابسة)، متلازمتين عند الفريق الواسع المنادي بوقف الحرب الفوري في السودان.
وتابع عمر أن «المصطلح الثاني الآن الأكثر رواجاً في السودان هو (ناس الشجرة). وقد شاع هذا المصطلح بعد أن سألت مذيعة في إحدى القنوات الفضائية، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو عن مكان وجوده أثناء حوار تلفزيوني فرد عليها حميدتي (تحت الشجرة)»، في إشارة ساخرة إلى أنه لايمكنه إخبارها بمكان وجوده الحقيقي لاعتباره هذا من الأسرار الميدانية له ولقواته، وقد زاد من انتشار المصطلح دخول رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان على الخط، حين ظهر في شريط تلفزيوني في غرفة العمليات الخاصة بالقوات المسلحة السودانية وهو يقول لقادته العسكريين متهكماً: «ناس الشجرة بيسلموا عليكم».
وأشار عمر إلى أن هناك مصطلحاً آخر انتشر في الحرب السودانية وهو «جغم»، ومعناها المباشر أكل، لكن السودانيين من الجانبين استخدموها ويستخدمونها الآن للإيحاء بشدة فتكهم بخصومهم، فيقولون إن الكتيبة الفلانية «جغمت» الفريق الفلاني، وبعضهم يقول «بل بل، جغم جغم» مبالغة في تصوير شراسة الموقف. وهناك مصطلحا «الدعامة» أي أنصار الدعم السريع، و«الجياشة» أي المنتسبون للجيش. وختم «أن تكاثر المصطلحات وتوالي نحتها شعبياً، مرتبط بسخونة الحرب الكلامية على منصات التواصل التي يعلو صوتها مع تصاعد الحرب، فنحن لدينا في السودان عشرات المنصات على (فيسبوك ويوتيوب) يتابعها الشارع السوداني في الداخل والخارج، وارتبط معظمها بأسماء أشخاص، ويناصر أصحابها هذا الطرف أو ذاك من أطراف المعركة، وبعضها لايخلو من معلومة صحيحة، وكثير منها تحركه الانحيازات، لكن قيمتها تزداد كل يوم في ظل عدم قدرة وكالات الأنباء الكبرى والمؤسسات العالمية على اختراق الواقع السوداني وتعقيداته المحلية».