طرفا حرب السودان يعودان الى مفاوضات جدة بمعارك شرسة وتراشق إعلامي
طرفا حرب السودان يعودان لجدة بمعارك شرسة وتراشق إعلامي
أعمدة الدخان تغطي سماء الخرطوم وسياسيون يعتبرون تصريحات الكباشي فرصة لخيار الحل السلمي التفاوضي لحقن الدماء
تصاعدت حدة المعارك على الأرض بالعاصمة السودانية ومناطق أخرى بشمال وجنوب كردفان وجنوب دارفور تزامناً مع إعلان طرفي الحرب قبول العودة لمفاوضات جدة برعاية سعودية – أميركية، وارتفعت طوال الأسبوع الماضي وتيرة المعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، استخدم فيها كل طرف مقدرات وضربات نوعية شرسة وعنيفة.
حدة وشراسة
وشهدت العاصمة السودانية تصعيداً في جبهات القتال وسط تحليق وقصف مكثف من الطيران الحربي والمسيرات، وانتشرت أعمدة الدخان بكثافة في أحياء عدة من الخرطوم، وسمع دوي انفجارات الغارات الجوية في شرق النيل والمدينة الرياضية وبحري وأحياء بري والشاطئ والرياض والمعمورة وكذلك في جنوب بالخرطوم وأم درمان، وانطلاق المضادات الأرضية لـ”الدعم السريع” وسط قصف مدفعي مكثف بين الطرفين.
رافق التصعيد العسكري في سباق الطرفين لتقوية موقفهم التفاوضي تراشق إعلامي حركته تصريحات نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق شمس الدين الكباشي بالعودة إلى التفاوض، مما خلق انقسامات بين دعاة الحرب والحل السلمي التفاوضي، تجلى في الهجوم الكثيف على إعلان الجيش من الدوائر الإعلامية والمنصات المحسوبة على التيار الإسلامي المتهم بإشعال الحرب وخيار الحسم العسكري.
أسر البرهان
تسببت إشاعة وقوع الفريق البرهان أسيراً في قبضة قوات “الدعم السريع” التي انتشرت كالنار في الهشيم في ارتباك كبير وسط منسوبي قوات “الدعم السريع” الذين احتفلوا بأهازيج من زخات الرصاص في مناطق وجودها بأنحاء عدة في العاصمة السودانية، لكن سرعان ما ظهر البرهان في مقطع فيديو هو السادس من نوعه منذ اندلاع الحرب كتكذيب قاطع للإشاعة.
وعلى رغم تنبه الدوائر الإعلامية في “الدعم السريع” للإشاعة ومحاولة نفيها، لكنها وجدت صداها الكاسح الذي تعدى الخرطوم إلى جميع ولايات السودان، الأمر الذي عده كثيرون تصعيداً في الحرب الإعلامية والنفسية المتبادلة بين الطرفين صحبتها أيضاً مواجهات وجدل حول مدى صدقية الفيديوهات والتسجيلات الصوتية التي يبثها كل طرف.
ظهر قائد الجيش بالفيديو مرتدياً الزي العسكري الميداني مع بندقية آلية، وعلى وسطه قنبلة (القرنيت) اليدوية ومسدس، وهو يلقى التحية على عدد من القادة العسكريين والأمنيين داخل غرفة يبدو وكأنها غرفة عمليات إدارة الحرب، وينقل لهم سلام “ناس الشجرة – حيث سلاح المدرعات – بسملوا عليكم” وهو يردد في حديث جانبي ويهم بالجلوس إلى طاولة الاجتماع: يقبضوا شنو؟ (ماذا) ديل نملة ما يقبضوها غنماية، (أي هؤلاء، معزة ما يقبضوها).
“الدعم” يباغت
في سياق التصعيد العسكري أعلن “الدعم السريع” تنفيذه هجوماً نوعياً على قاعدة وادي سيدنا الجوية دمر فيه ثلاث طائرات من طراز (ميج) وواحدة (انتينوف) وحرق مخازن ضخمة، وذلك عبر عملية تسلل نفذتها وحدة القوات الخاصة داخله، كما أعلنت سيطرتها على قيادة اللواء 61 بمدينة كاس بولاية جنوب دارفور غرب السودان.
قال بيان “الدعم السريع” إن “العملية أحدثت رعباً وسط قوات الانقلابيين الذين لم يفيقوا من هول صدمة قضت على طائراتهم التي ظلت تقصف المدنيين الأبرياء وتدمر البنية التحتية، وأدت العملية إلى هرب مجموعة من الطيارين بعد اشتعال الحرائق بالقاعدة”، وأضاف البيان “ستواصل القوات الخاصة تنفيذ مزيد من العمليات النوعية في مواقع مختلفة لضرب معاقل الانقلابيين والفلول الذين يسعون إلى استعادة دولة التمكين والمحسوبية والظلم”.
الجيش يرد
تالياً ورداً على عملية قاعدة وادي سيدنا الجوية، استهدف الجيش بالقصف الجوي والطائرات المسيرة مواقع لمدفعية وراجمات “الدعم السريع”، كما أصدر الجيش بياناً قلل فيه من الخسائر التي زعم “الدعم السريع” أنه أحدثها في متحرك قواته ببحري، ووصفها بالمضخمة.
وأكد قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي” في تسجيل صوتي جديد، جاهزيتهم لكل من خياري الحرب والسلام معاً، وجاء فيه “مستعدون للحرب والتضحية بالنفس، وعدم السماح للنظام البائد والفلول بالاستيلاء على السلطة من جديد”، منوهاً بأن “الانتصارات لا تغريهم مهما عظمت بألا يتقدموا وبشجاعة لقبول خيار الحل السياسي”.
وأضاف دقلو “تجاوزت الحرب مدة ثلاثة أشهر، مما ضاعف معاناة شعبنا بخاصة في الخرطوم ودارفور، ونعمل جاهدين مع الفاعلين في الداخل والخارج لتخفيف آثار الحرب، وأن خيار السلام والاستقرار في دولة الحرية والعدالة والمساواة كان ولا يزال هو خيارنا”.
انفتاح وحوار
بموازاة الترحيب السياسي الواسع الذي وجده تصريح نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول شمس الدين الكباشي بالعودة للتفاوض وانفتاح الجيش على أية مبادرة جادة لوقف الحرب من معظم القوى السياسية بما فيها الحركات المسلحة، شكل حميدتي لجنة للتواصل مع القوى السياسية والحركات المسلحة برئاسة المستشار السياسي له يوسف عزت، استعداداً لاستئناف مفاوضات منبر جدة.
وفيما اعتبر القيادي في قوى الحرية والتغيير خالد عمر يوسف تصريحات الكباشي “خطوة مهمة في اتجاه وقف الحرب” وفرصة لخيار الحل السلمي التفاوضي الذي يحقن الدماء وينقذ السودان من طريق الانهيار الشامل، حض رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر في تصريحات صحافية كلاً من الجيش و”الدعم السريع” على الإقبال نحو منبر جدة لبدء مفاوضات تفضي إلى وقف إطلاق نار شامل وإنهاء الحرب، ووصف الأمين العام للحزب الواثق البرير على “تويتر” موقف نائب قائد الجيش بـ”الشجاع” ويسهم في استعادة الاستقرار بالبلاد.
بدورها اعتبرت الجبهة الثورية تصريحات الكباشي مفتاحية لتحقيق الاختراق المطلوب لكسر حال الحرب والانتقال لمربع الحلول السلمية لوقف القتال، ودعم الحوار الشامل المفضي لتشكيل حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية وتهيئ البلاد للانتخابات العامة.
ضد التفاوض
لكن رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي اعتبر أنه بموافقة الجيش على العودة للهدن من جديد على رغم ما أحدثته الحرب من خسائر في أرواح وممتلكات المواطنين يكون البرهان خذل الشعب، وفرط في مسؤولية الجيش الدستورية في حماية المواطنين.
اتهم المهدي في تغريدة له على “تويتر” الإدارة الأميركية بالسعي إلى إنقاذ “الدعم السريع” بعد قرب هزيمته ونهايته، وكذلك إعادة الاتفاق الإطاري وقوى الحرية والتغيير إلى صدارة المشهد السياسي، إذ يفترض ألا يكون هناك تفاوض إلا على الاستسلام في مقابل العفو وإخلاء الأحياء السكنية والمستشفيات.
يعتقد رئيس حزب الأمة أن قرار العودة للتفاوض جاء نتيجة لطلب عبدالرحيم دقلو من تشاد وكينيا والإمارات والولايات المتحدة، لكن الهدف هذه المرة هو استعدادهم للاستسلام.
يضيف المهدي، “هم الآن يتفاوضون على ترتيبات الاستسلام وشروطه، لأن ’الدعم السريع‘ يحاول أن يخرج بكرامة من المعركة، وفي الوقت نفسه يجد له موقع قدم في الساحة السياسية السودانية مرة أخرى”.
بين الحسم والتفاوض
على نحو متصل أوضح أمين العلاقات الخارجية السابق بحزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان القيادي بالحرية والتغيير المجلس المركزي أن طرفي الحرب ومن يدقون طبولها حتى قبل اندلاعها من فلول النظام البائد عبر آلتهم الإعلامية وجيوبهم داخل المؤسسة العسكرية وكتائبهم العسكرية ظلوا يسعون إلى حسم المعركة عسكرياً، مما مهد للتدخل الخارجي وبدا واضحاً أن المجتمع الإقليمي والدولي لن يقف متفرجاً وهو يرى المنطقة تتعرض لتلك الهزة العنيفة التي قد تولد سيناريوهات غير مرغوبة.
وأشار عثمان إلى أن “تدخل المجتمع الإقليمي والدولي قد يكون حميداً حال تحكيم الطرفين المتحاربين لصوت العقل والحكمة وصولاً إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم، ثم الوصول إلى تسوية سياسية تستهدي بغايات وشعارات ثورة ديسمبر في قيام حكومة مدنية انتقالية وإصلاح ما دمرته الحرب والتعافي المجتمعي والاقتصادي وعودة علاقات السودان الإقليمية والدولية”.
بحسب القيادي السياسي فإن “تطاول أمد الصراع وإصرار أطرافه على الحسم العسكري سيفتح الباب واسعاً لسيناريوهات كارثية وتدخلات دولية قد تفرض على السودان قرارات عالية الكلفة، تعيده إلى مربع العقوبات والحصار والعزلة الإقليمية والدولية مجدداً، وهو ما نسعى كقوى سياسية ومدنية ومهنية إلى تفادي حدوثه وقطع الطريق على كل من يريد استمرار الحرب”.
تطاول أمد الحرب
من جهته استبعد المحلل السياسي ربيع مدثر المأمون ربط موافقة الجيش على التفاوض لإيقاف الحرب بعد 90 يوماً من الدمار وبدء مشاورات واسعة لاستعادة المسار الديمقراطي المدني وإعادة الإعمار بضغوط عسكرية يتعرض لها في المعارك على الأرض، بخاصة بعد ما تردد عن خسائر كبيرة تعرضت لها إحدى متحركات الجيش في منطقة شمال بحري.
وتوقع المحلل أن تشهد حدة الهجوم الإعلامي الشرس الذي ظلت تشنه منابر عدة محسوبة على الإسلاميين من أنصار الحسم العسكري على دعاة وقف الحرب تراجعاً ملحوظاً بعد موافقة الجيش على العودة للتفاوض، بخاصة أن طول أمد الحرب وتعمق مآسيها باتا يهددان بانهيار البلاد التي فقدت أكثر من 40 في المئة من بنيتها التحتية حتى الآن.
مع دخول الحرب شهرها الرابع عاد السبت الماضي منتصف يوليو (تموز) الجاري ممثلو الجيش السوداني لمدينة جدة السعودية لاستئناف المفاوضات مع قوات “الدعم السريع”، ويجئ إعلان طرفي الحرب العوة إلى المفاوضات في أعقاب قمة دول جوار السودان، التي انعقدت بالعاصمة المصرية القاهرة في الـ13 من يوليو الجاري، برئاسة الرئيس المصري وبحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقيه والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيظ وقادة دول الجوار السبعة الأفريقية.
كان كل من السعودية والولايات المتحدة، راعيي مفاوضات جدة، أعلنا تعليقها إلى أجل غير مسمى في مطلع يونيو (حزيران) الماضي، إثر تعليق الوفد الجيش مشاركته فيها احتجاجاً على عدم انسحاب “الدعم السريع” من منازل المواطنين والمستشفيات والمرافق الخدمية العامة، مع تعدد انتهاكات لوقف إطلاق النار والهدن المتفق عليها من الطرفين.
كما فشلت سلسلة من الوساطات والمبادرات الإقليمية والدولية في وقف القتال المندلع منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، الذي بات ينذر بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وأزمة إنسانية طاحنة بالعاصمة السودانية وولايات دارفور على وجه الخصوص
المصدر / إندبندنت عربية