جريدة لندنية : دعوة الجيش السوداني للمتطوعين تفتح الباب لتسلل متشددين وتحذير من زيادة ملامح الفتنة والحرب الأهلية
إنقاذ السودان أم تدمير ما تبقى منه دعوة الجيش السوداني للمتطوعين تفتح الباب لتسلل متشددين البرهان يبحث عن سند شعبي لمواجهة سند سياسي يحظى به حميدتي.
تخشى دوائر سودانية أن يصير تكرار دعوة الجيش السوداني لانضمام متطوعين مدنيين إليه بابا يسمح بتسلل المزيد من المتشددين إلى صفوفه، وتصبح الدعوة غطاء لدخول ميليشيات مسلحة تحت مسميات مختلفة جرى تشكيلها خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير للدفاع عن نظامه، ولم يتم حلها بعد سقوطه.
وحذرت هذه الدوائر من أن يؤدي بحث قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان عن دعم أو سند شعبي لمواجهة السند السياسي الذي يحظى به قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى زيادة ملامح الفتنة والدخول في حرب أهلية باتت الظروف مهيأة لاندلاعها.
ويلقى خطاب حميدتي قبولا غير معلن لدى قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي التي ترفض حكم العسكر وتطالب بحكومة مدنية.
حاتم إلياس: الدعوة تجذب المتشددين العنصريين والإسلاميين وفلول البشير
ودعت القوات المسلحة السودانية الاثنين الشباب للانضمام إلى الجيش مع استمرار القتال ضد قوات الدعم السريع، وتم توجيه قياديّي الفرق والمناطق العسكرية باستقبال وتجهيز المقاتلين، وبعثهم إلى أقرب قيادة أو وحدة عسكرية.
واندلعت معارك ضارية الثلاثاء في أنحاء أم درمان في الجزء الغربي من العاصمة السودانية، في وقت يحاول فيه الجيش قطع الطريق على تعزيزات عسكرية قادمة لمساندة قوات الدعم السريع في المدينة، والتي قالت قيادتها إنها أسقطت طائرة مقاتلة، ونشر سكان محليون مقاطع مصورة تظهر طيارين يقفزان من طائرة.
وفي منتصف أبريل الماضي عقب اندلاع القتال مع قوات الدعم السريع دعا الجيش المواطنين إلى التطوّع في صفوفه، ولم تلق دعوته آذاناً صاغية من جانب المدنيين.
وذكر الجنرال البرهان، عشية الاحتفال بعيد الأضحى، أن “حجم المؤامرة يتطلب من الجميع اليقظة والاستعداد للتصدي للمهددات الوجودية لدولتنا، أطلب من جميع الشباب وكل من يستطيع الدفاع ألا يتردد أو يتأخر في أن يقوم بهذا الدور الوطني في مكان سكنه أو بالانضمام إلى الوحدات العسكرية لنيل شرف الدفاع عن بقاء الدولة السودانية”.
ويؤشّر تكرار الدعوة لانضمام متطوعين إلى الجيش على أنه تكبد خسائر بشرية فادحة خلال الفترة الماضية، وما تبقى منه خارت معنوياته وغير قادر على مواجهة قوات الدعم السريع التي تقاتل بشراسة.
وقد يكون البرهان ارتكب خطأ تكتيكيا بهذه الدعوة التي تشرع الباب رسميا لانضمام عناصر إرهابية إلى الجيش، من بينها فئة محسوبة على الحركة الإسلامية، ما يؤكد معلومات تواترت منذ اندلاع الحرب حول علاقته بفلول البشير، واستعداد قيادات كبيرة معه لترتيب انقلاب عسكري يمنع الجيش من تسليم الحكم إلى سلطة مدنية.
ويمكن أن يفسح هذا النوع من الدعوات المجال لتشكيلات قبلية وجهوية متباينة تعلن انضمامها إلى أحد طرفي النزاع للدفاع عن مصالحها، ما يزيد الوضع الميداني اشتعالا.
وأعلن تحالف قبائل عربية في دارفور ولاءه لقوات الدعم السريع أخيرا وحضّ أبناء القبائل المنخرطين في الجيش على الانشقاق والانضمام إلى قوات الدعم السريع.
وقال المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس إن الدعوة لاستقبال المتطوعين تعبر عن أزمة هيكلية داخل الجيش، وتشي بأن العمليات العسكرية ليست في صالحه، وسط تواتر تقارير تفيد بأن البرهان يقبع في مكان محدود بالقيادة العامة يسمى “البدروم”.
وأوضح في تصريح خاص لـ”العرب” أن “الدعوة تجذب المتشددين العنصريين وجماعات الإسلام السياسي وفلول البشير، وهؤلاء يرون أن الحرب تعبر عن صراع جهوي يعتمد على مخاوف تاريخية متوهمة تستند إلى صراع قديم يتردد من حين إلى آخر بين أبناء البحر (أي النيل) من جهة وأبناء الغرب (أي كردفان ودارفور) من جهة أخرى”.
وأشار حاتم إلياس إلى أن دعوة البرهان لم تلق قبولاً شعبيًا، وتعد محاولة لخلق سند شعبي له بعد أن دخل الجيش في عزلة نتيجة التخبط والارتباك والانقلاب مبكرا على السلطة المدنية، وسيكون التجاوب مع الدعوة فقط من جانب المدفوعين بفكرة أن الحرب لها جانب مناطقي، وهم الذين فقدوا البوصلة التي من خلالها يسعون لتحقيق أهدافهم.
نبيل أديب: خطورة الدعوة تكمن في إمكانية انتشار السلاح في المناطق المدنية وصعوبة التعامل معها
ولفت لـ”العرب” إلى أن غالبية القوى الخارجية تدرك تركيبة وطبيعة الجيش بعد أن تمكن الإسلاميون من العبث بمكوناته خلال فترة حكم البشير وعمدوا إلى تحويله إلى ذراع عسكرية لهم لتحقيق أغراضهم الخفية، لذلك لن يتغير الموقف من أهمية الوصول إلى عملية سياسية تعيد هيكلة القوات المسلحة كجيش وطني موحد.
نبيل أديب: خطورة الدعوة تكمن في إمكانية انتشار السلاح في المناطق المدنية وصعوبة التعامل معها
ولفت لـ”العرب” إلى أن غالبية القوى الخارجية تدرك تركيبة وطبيعة الجيش بعد أن تمكن الإسلاميون من العبث بمكوناته خلال فترة حكم البشير وعمدوا إلى تحويله إلى ذراع عسكرية لهم لتحقيق أغراضهم الخفية، لذلك لن يتغير الموقف من أهمية الوصول إلى عملية سياسية تعيد هيكلة القوات المسلحة كجيش وطني موحد.
ولا توجد معلومات تبين مَن تجاوب مع الدعوة وهويته السياسية، حيث جاءت فضفاضة بما يظهرها كأنها موجهة إلى جهة معينة ظلت في الظل خلال الفترة الماضية، وحان وقت مشاركتها علنا في المعارك بعد أن عبّد البرهان لها الطريق ليفوّت فرصة المتاجرة بها سياسيا إذا سقط ضحايا منها في الحرب كي يتم التعامل معهم كعناصر من المتطوعين وليسوا كناشطين ومسلحين وذراع للحركة الإسلامية.
وأكد المحامي ورئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة نبيل أديب أن “دعوة البرهان للمتطوعين تفهم على أنها جزء من العمل السياسي للحرب لمساندة طرف مقاتل، وفي هذه الحالة يتم تدعيم الجيش عبر إيجاد سند أو رافعة شعبية له”، لافتا إلى أن “الدعوة قد تكون أيضا بابًا لتسلل المزيد من المتشددين داخل الجيش في ظل صعوبة إحداث عملية مراجعة أو مصفاة للتعرف على أيديولوجيات المنضمين الجدد إليه”.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “خطورة الدعوة تكمن في إمكانية انتشار السلاح في المناطق المدنية وصعوبة التعامل معها، وهو ما يؤثر في المحصلة على وضعية عناصر الجيش كقوة غير عقائدية، ومن المتوقع أن يقتصر حضور هؤلاء على القتال، وهذا لا يمنع من وجود توجهات سياسية داخل الجيش، إلا أن الولاء يبقى للدولة السودانية”.
وتؤشر دعوة الجيش لجلب متطوعين شباب ومدنيين على فقدان الثقة بقوات المشاة التي لم تستطع التأقلم مع ظروف حرب الشوارع المرهقة، وتشي بأن ثمة فصلا في المعارك سيكتب خلال الأيام المقبلة، وهو دليل إضافي على انسداد الأفق السياسي.