جريدة بريطانية : “لعنة ميدوزا” تضرب السودان وسط اتساع جبهات الحرب

“لعنة ميدوزا” تضرب السودان وسط اتساع جبهات الحرب
القتال يتمدد إلى كردفان والنيل الأزرق وطرف جديد في معارك العاصمة ومحللون: الجيش لا يزال قوياً
لم تعد الحرب في السودان مقتصرة على العاصمة الخرطوم، فإلى جانب المعارك الدائرة في الإقليم بمدن الجنينة والفاشر ونيالا وكتم وزالنجي، امتدت الاشتباكات المسلحة إلى ولايات كردفان بمناطق الأبيض وكادقلي والدلنج، وسرعان ما تحول الصراع إلى ولاية النيل الأزرق في مدينة الكرمك الحدودية مع دولة إثيوبيا.

في غضون ذلك، دخل طرف جديد إلى القتال ضد الجيش السوداني، عندما هاجمت قوات تابعة لـ”الحركة الشعبية لتحرير السودان” بقيادة عبدالعزيز الحلو مدينة كادقلي جنوب العاصمة، وخاضت معارك ضارية ضد القوات المسلحة في الدلنج ومدينة الكرمك، وتمكن الجيش من صدها في هذه المناطق.

مثل رأس ميدوزا ذي الحيات والمنذر بالشؤم في الأساطير اليونانية القديمة، تتسع جبهات الحرب في السودان وتتعدد، لكن كيف ينظر المحللون إلى تحركات الحركة الشعبية – شمال، واستيلاء قوات الدعم السريع على مخزونات كبيرة من الأسلحة والذخائر، وإلى أي مدى يمكن أن تسهم هذه المعطيات في استمرار الحرب وقدرة الجيش على القتال في أكثر من جبهة؟

حماية النفوذ

المحلل السياسي محمد سعيد حلفاوي يرى أن “قائد الحركة الشعبية عبدالعزيز الحلو لم يعد واثقاً من إمكانية بقاء الوضع الحالي في السودان، لذلك يعمل على حماية مناطق نفوذه، إلى جانب إيجاد منفذ في أية عملية تفاوضية قادمة في منبر جدة أو وساطة (الإيغاد)، أضف إلى ذلك أن الجيش نفسه سحب قواته من إقليم النيل الأزرق للقتال في معارك الخرطوم، لأن سيطرة الحلو على مناطق جديدة لا تشكل أولوية في الوقت الحالي بالنسبة إلى الجيش بقدر تركيزه على العاصمة”.

إلى ذلك، أثار إعلان قوات الدعم السريع الاستيلاء على قيادة قوات الاحتياطي المركزي جنوب الخرطوم، تساؤلات حول أهمية هذا المعسكر، وما إذا كان الاستيلاء عليه سيغير المعطيات العسكرية من عدمه.

وذكرت “الدعم السريع” أنها صادرت 160 عربة كاملة التسليح، و75 ناقلة جنود مدرعة، و27 دبابة، ومخزناً متكاملاً من الذخيرة المتنوعة.

يقول حلفاوي إن “الدعم السريع” لديها مخزون منذ عامين تقريباً، وفي 2022 بدأ تدفق الأسلحة بشكل كبير في العاصمة، وإلى جانب ذلك لاحظنا ظهور أسلحة نوعية لديهم مثل الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، بجانب المسيرات التي ظهرت في مايو (أيار) الماضي ولا تزال تستخدمها القوات، وشوهدت بصورة واضحة خلال معركة الاحتياطي المركزي، وهذا يعني وجود خطوط إمداد لـ”الدعم السريع” بخاصة في ظل الاتهامات الأميركية لقوات “فاغنر” الروسية بتزويد قوات محمد حمدان دقلو بالأسلحة، كما يجب الوضع في الاعتبار أن الجيش السوداني يدير جبهات قتالية متعددة، ولا يمكنه أن يراقب حدوداً شاسعة في ظل انشغاله حالياً بحرب العاصمة.

وشدد المحلل السياسي على ضرورة إيجاد السبل للانخراط في حل تفاوضي لتحقيق السلام ومعالجة قضايا التحول المدني الديمقراطي بالسودان، بجانب وضع رؤية لما بعد الحرب تكون أكثر عمقاً لمعالجة جذور الأزمة، بحيث تتناول كل القضايا التي كانت سبباً في الحروب الطويلة التي شهدتها البلاد.

جبهة جديدة

فتحت الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو جبهة صراع أخرى في الحرب الدائرة بالسودان، وبدأت الأسبوع الماضي تحركات بالاستيلاء على عدد من معسكرات ونقاط صغيرة للجيش بعدد من المناطق مثل المقل والمنصور وكلولو وأم شعران والتيس والحمرة في شرق وجنوب مدينة كادقلي بإقليم جنوب كردفان.

واتهمت القوات المسلحة الحركة الشعبية بانتهاك اتفاق قائم منذ فترة طويلة لوقف إطلاق النار. وقالت إنها تصدت لقوات الحلو، كما هاجم فصيل الحلو منطقة الدلنج ثاني أكبر مدن الإقليم، لكنه فشل في السيطرة عليها، وجدد أخيراً تحركاته نحو ولاية النيل الأزرق في مدينة الكرمك الحدودية مع دولة إثيوبيا، وتمكنت قوات الجيش السوداني من صده.

والحركة الشعبية لتحرير السودان هي امتداد للحركة الشعبية الأم التي قاتلت النظام في الخرطوم منذ نشأتها عام 1983، في كل من جنوب كردفان وجنوب السودان والنيل الأزرق والشرق، وبعد انفصال الجنوب واستقلاله بدولته عام 2011 انقسمت إلى حركتين، واحدة في الجنوب وأخرى في الشمال، واستأنفت الأخيرة القتال ضد نظام المعزول عمر البشير في عام انفصال الجنوب، للمطالبة بإكمال ما ورد باتفاق السلام 2005 في شأن منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ووسعت مطالبها بحكم ذاتي للمنطقتين وضمان قسمة عادلة للسلطة والثروة في البلاد، لكنها تعرضت لانقسام هي الأخرى إلى فصيلين، الأول بقيادة عبدالعزيز الحلو، والثاني بقيادة مالك عقار، واحتفظ كل منهما بالاسم التاريخي للحركة.

بعد سقوط نظام البشير دخل فصيل مالك عقار ضمن حركات متمردة أخرى في اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية وقع عام 2020، بينما رفض فصيل الحلو، الذي يسيطر ميدانياً وعسكرياً على أجزاء واسعة من ولاية جنوب كردفان تحت اسم المناطق المحررة، التوقيع على الاتفاق لعدم تضمينه بنوداً خاصة بفصل الدين عن الدولة، بينما صمد إعلان مبادئ قضى بالوقف الشامل لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية – شمال، بعد التوقيع عليه مع الحكومة الانتقالية في مارس (آذار) 2020، إلى أن تجدد القتال في يونيو (حزيران) 2023.

قوة الجيش

يعتقد الباحث السياسي عز الدين مساعد أن “الحركة الشعبية تريد من نشاطها العسكري أولاً زيادة نطاق سيطرتها في المنطقة، لأنها ترى أن زيادة المساحة تقوي موقفها التفاوضي في أي منبر مستقبلي”.

ويجزم مساعد بقدرة الجيش السوداني على القتال في أكثر من جبهة لإفشال مخطط فتح جبهات بولاية جنوب كردفان وعلى الحدود مع إثيوبيا، لافتاً إلى أن “القوات المسلحة سبق أن اختبرت منهج الجبهات المتعددة وخرجت منها جميعها منتصرة، والآن يمكن أن تعيد التجربة، فلا تنقصها عدة ولا عتاد”.

وعن استيلاء قوات الدعم السريع على مخزونات كبيرة من الأسلحة والذخائر، أشار الباحث السياسي إلى أن “معسكر الاحتياطي المركزي التابع للشرطة يحتوي على عتاد مميز قد يحل معضلة الإمداد لقوات الدعم السريع، لكن فرضية تغيير المعطيات العسكرية غير واردة”.

مقالات ذات صلة