الدراما السودانية تتحسس “دروب العودة”
18 مسلسلاً تتنافس ضمن الماراثون الرمضاني تكسر حاجز الجمود والخوف
حققت الدراما السودانية خطوات متقدمة واستعادت زخمها وحضورها بعد سنوات من الركود عبر أعمال اتسمت بقوة الطرح وناقشت قضايا اجتماعية حساسة في جرأة غير مسبوقة مقارنة بالمواسم الرمضانية السابقة.
الإنتاج الكبير هذا العام يعتبر تحولاً حقيقياً في هذا المضمار، بعد أن افتقد الفضاء الثقافي في البلاد إلى المسلسلات المحلية إلا في حالات استثنائية لا تحظى بمشاهدة جيدة وتكون دائماً عرضة للتهكم والسخرية.
أعمال مميزة
يتنافس 18 مسلسلاً سودانياً ضمن الماراثون الرمضاني، لكن “دروب العودة” و”زاندا” “ود المك” تم تصنيفهما أفضل الأعمال بشهادة النقاد والمهتمين بعد إثارة انتباه المشاهد، كما درات حلقات نقاش واسعة حول المسلسلات الثلاثة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
“دروب العودة” يتناول قضايا اجتماعية ظلت تؤرق المجتمع السوداني، وهي الهجرة غير الشرعية والمخدرات، ويشارك في العمل نخبة من الممثلين بقيادة موسى الأمير وعوض شكسبير والكندي الأمين، إضافة إلى نجوم من سوريا والهند ونيجيريا وليبيا.
وفي المقابل يناقش مسلسل “زاندا” كثيراً من المشكلات الواقعية، وهو من بطولة الفنان أحمد الجقر وصالح عبدالقادر وروبي كمال، وحظي العمل بنصيب الأسد من النقد والتحليل والتناول.
فيما يتناول مسلسل “ود المك” قضايا اجتماعية من الحياة اليومية للسودانيين، بيد أنه يبرز قضية الشخصية المزدوجة لدى بعض رجال الدين وفساد الوزراء ودور الإعلام في الحرب على الفساد.
قضايا اجتماعية
منتج مسلسل “دروب العودة” جلال حامد قال إن “العمل الدرامي هدف لمعالجة قضيتي الهجرة غير الشرعية والمخدرات بشفافية، وتناول أبعاد وجذور الأزمة نظراً إلى خطورتها وتأثيرها على الأسرة والمجتمع السوداني”.
وأضاف أن المسلسل “تميز بالأدوات الكتابية للسيناريو والعمليات الفنية والإخراجية بجانب استخدام تقنيات عالية في مجال الصورة والصوت، ولتبادل الخبرات استعان فريق العمل بعدد من الوجوه الجديدة، فضلاً عن مشاركة نجوم من عدة دول مثل الهند وسوريا وليبيا ونيجيريا”.
من جهته أشار بطل مسلسل “زاندا” أحمد الجقر إلى أن العمل تناول كثيراً من المشكلات الواقعية في المجتمع السوداني بقوالب درامية مثيرة ومشوقة ليحظى بنسبة الأعلى مشاهدة خلال السباق الرمضاني الحالي”.
وأوضح الجقر أن “العمل بالروح الواحدة والسعي إلى النجاح ذلل كل الصعاب التي يمكن أن تواجه أي عمل تقني وتم تصوير المسلسل بعد دراسات عديدة ومراجعات فنية وزمنية الأمر الذي سهل على الفريق كثيراً من الجهد والتعب ولم تواجهه أي عقبات”.
تحول حقيقي
الناقد الفني الزبير سعيد قال “يبدو أن الدراما السودانية قد خرجت من عباءة الدولة بلا أدنى تفكير في الرجعة، وأن حاجز الرهبة من الإنتاج قد تم كسره من قبل بعض المنتجين الذين دخلوا هذا الحقل بعد أن ظل مفخخاً بالألغام منذ سنوات”.
وأضاف سعيد أن “نظام البشير البائد حارب الدراما والمسرح بكل الأساليب ونجح في جعل عبارة ممنوع الاقتراب والتصوير حاضرة في ذهن كل من يفكر في دخول مجال الإنتاج المثقل بالضرائب مليون مرة قبل أن يدخل ذلك المعترك الذي بدلاً من أن يقود صاحبه لدخول التاريخ فإنه يزج به إلى السجون بسبب الالتزامات المالية الكبيرة”.
وأوضح “حدث تحول حقيقي في العقل المنتج للأعمال الفنية بالبلاد، وذلك بعد أن زادت مساحات الحريات الإبداعية عقب ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وكما هو معروف فإن الحرية هي أهم عناصر نجاح الدراما التلفزيونية، لا سيما المهتمة بالقضايا الاجتماعية وتحديداً التي تتطرق لبعض المسكوت عنه، ومن الأشياء المهمة التي شجعت البعض على دخول مجال الإنتاج التغيير الذي حدث في مفهوم المشاهد السوداني، والذي أصبح يتفاعل مع الأعمال الدرامية الجريئة ويتقبل فكرة أن يكون نجوم العمل من الشباب الذين لا يعتبرون من الممثلين المعروفين”.
وأشار إلى أنه “من الواضح أن الدراما بدأت رحلة العودة القوية، وذلك بعد أن أصبح رأس المال الخاص أكثر شجاعة وجدوى من الوقوف طويلاً في صف انتظار الدولة حتى تفيق من صراعات الساسة التي لا تنتهي”.
وعن نجاح “دروب العودة” و”زاندا”، أوضح الناقد الفني أن “المسلسلين لا يزالان في بداية العرض ومن الصعب إصدار أي حكم بأنهما الأفضل، لكن حتماً هناك استفادة كبيرة من التجارب السابقة على مستوى كتابة السيناريو وتدريب الممثلين وضم عدد من النجوم أصحاب الخبرات مثل موسى الأمير وصالح عبدالقادر”.
تمويل الأعمال
الإنتاج الكبير للأعمال الدرامية هذا العام ضرب بعرض الحائط الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، حيث تجاوزت كلفة إنتاج مسلسل “دروب العودة” 200 ألف دولار، علاوة على تصوير الأحداث بمناطق عدة، السودان والهند ومصر وليبيا.
واستعان البعض بعدد من المنتجين في القطاع الخاص فضلاً عن الاتفاق مع قنوات فضائية لتحمل الكلفة إلى جانب الاعتماد على إعلانات شركات القطاع الخاص باتفاق مسبق.
وتطرح الكلفة المرتفعة للدراما السودانية في رمضان تساؤلات حول جدواها في ظل الظروف المتدهورة للبلاد، وتعليقاً على ذلك يقول المنتج جلال حامد “من الأولى تخصيص ميزانيات ضخمة لضمان حرية الإبداع ومنافسة الأعمال الوافدة من تركيا والهند، بجانب تسويق الدراما والاهتمام بها، لأنها وبمرور الوقت سيكون لها قبول كبير خارج السودان لامتلاكها عوامل النجاح”.
ولفت إلى أن هذا الإنتاج الكبير للمسلسلات من ناحية الكم فقط وبغض النظر عن الكيف، يعتبر ظاهرة إيجابية، تتيح فرز الجيد من الرديء وبمرور الوقت يتحسن الأداء تدريجاً وصولاً إلى الحالة الدرامية المثالية”.
تحرير الفن
شهد فضاء الحرية اتساعاً لجميع ضروب الفن في البلاد بعد ثورة ديسمبر وخلقت المقاومة نوعاً من الحماس والرغبة في الإنتاج والنجاح والتقدم والأفكار في نفوس المخرجين والممثلين والمبدعين.
ويرى الناقد الفني هيثم الطيب أن مساحة الحريات شجعت الدراميين على إنتاج أعمال تتناول قضايا اجتماعية حساسة في جرأة غير مسبوقة بجانب الخوض في الظواهر التي لطالما لم يتمكن أي عمل سابق من مناقشتها، كما انتهى إلى غير رجعة التدخل في الأعمال الفنية وفرض رقابة عليها، وهناك مؤشر قوي على نهضة الدراما السودانية، وهو ما ظهر في حجم المتابعة نتيجة مهارة واضحة في كتابة سيناريو جيد، وصعود ملموس في مستوى التمثيل”.
جدلية الفن والدين
في المقابل أثار مسلسل “ود المك” عاصفة من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهور شخصية “شيخ الرفاعي” التي تقدم نماذج تتخذ من التدين الشكلي والظاهري مآرب لتحقيق أحلامها.
وشن بعض من أئمة المساجد في العاصمة الخرطوم هجوماً عنيفاً على العمل وخصصوا جزءاً من خطبة الجمعة 31 مارس (آذار) للهجوم على “الكاست” بحجة أن المسلسل يسيء لأهل الدين وطالبوا بإيقافه عن العرض.
الكاتب الصحافي المتخصص في الشأن الفني محمد إبراهيم الحاج قال “لم يحسن صناع العمل التعامل مع ملف شائك في مجتمع لم يحدث أن قدم تناقضات شخصية (رجل دين) في أعمال درامية أو سينمائية، وهي التجربة الأولى في محاكمة هذا النموذج الاجتماعي، لذا فإن التحضير لها لم يكن كافياً فتم إظهاره بهذا الشكل الأقرب إلى الخوض في حقل من الألغام”.
وأضاف الحاج “كان من الأجدى تقديم بعض محاسنه لأن الشخصية الدرامية تكون أكثر إقناعاً بإبراز تناقضاتها في التعاطي مع حركة المجتمع والأحداث، إيقاف المسلسل ومحاكمته وردود الفعل من بعض الشيوخ في خطب الجمعة أمر مبالغ فيه لا يحكمه منطق واتسمت ردود البعض بأنها أعادت للناس ترسيخ بعض صفات (شيخ الرفاعي) واقعياً لا درامياً”.