حديث المدينة – عثمان ميرغني .. شريط مونتاج..
شريط مونتاج..
حديث المدينة – عثمان ميرغني
إحتاج لبعض خيالك.. تخيل لو أن تاريخ السودان المعاصر كان “شريط فيديو” قابل للمونتاج، فما الذي كان ممكناً حذفه أو إضافته .. وكيف يتحول تاريخنا..
لنأخذ مثالاً واحداً..
إنقلاب 17 نوفمبر 1958، باعتباره أول انقلاب عسكري ينجح في السيطرة على الحكومة لحين الإطاحة به بثورة أكتوبر الشعبية..
تخيل معي.. لو أن السيد عبدالله خليل رئيس الوزراء مارس أعلى قدر من احتمال اللعبة الديموقراطية، ذات اللعبة التي أتت به رئيساً للوزراء وأطاحت بسلفه السيد إسماعيل الأزهري..
لو.. حسب المونتاج.. لم يذهب عبدالله خليل لقائد الجيش ويطلب منه انقلاباً عسكرياً .. وهو الذي وصل لمنصبه ديموقراطياً.. لما كان هناك في تاريخ السودان حدث اسمه انقلاب عبود..
وعليه لما كان في تاريخ السودان هناك، ثورة أكتوبر 1964..
وتصبح الممارسة التعددية السياسية من مارس 1954 مستمرة بشكل طبيعي به بعض المطبات الهوائية والهضاب لكن البلاد تحلق في فضاء ديموقراطي وتداول سلمي سلسل للسلطة..
وعليه في 1964.. يصبح عمر التجرية التعددية 8 سنوات..
وفي 1969 ترقى لسن الرشد السياسي 13 سنة خبرة تعددية..
ولن يكون هناك انقلاب السيد جعفر نميري 1969..
و بالطبع هذا يعني أن أرواح السودانيين الذين قتلوا في الجزيرة أبا و ودنوباوي .. كانت موفورة الحياة..
و لما كان هناك انقلاب هاشم العطا في 19 يوليو 1971..
ولما كانت هناك دماء في بيت الضيافة .. ولا إعدامات لقيادة الحزب الشيوعي.. و تزداد تجربة الأستاذ عبد الخالق محجوب وتتلاقح الأفكار والتجارب.. لتنتج جيلاً من الديموقراطيين الذين يرتقون بالتجربة السودانية وتزداد رشداً عندما تصبح الأحزاب نفسها ديموقراطية تختار قياداتها في مؤتمرات عمومية.. لا تخشى على نفسها من ذئب السلطة ولا غضبة السلطان..
ولما كان هناك انتفاضةإبريل 1985.. ولا انقلاب 30 يونيو 1989.. ولا مجزرة الضباط في إبريل 1990..
ولما كانت هناك محرقة دارفور ولا مجزرة معسكر العيلفون .. وربما لما كان هناك انفصال جنوب السودان.. وغيره من الهزائم الوطنية..
تصور.. كل هذا إذا حذفنا حدثاً واحداً في شريط تاريخ السودان.. فما بالك لو أضفنا له أحداثاً كان الأجدر أن تحدث..
تاريخنا بكل أسف.. يحتاج إلى مونتاج.