عثمان ميرغني يكتب .. حادثة حركة “تمازج”..
عثمان ميرغني يكتب: حادثة حركة “تمازج”..
حسب بيانات صادرة من الشرطة أن أحد منسوبيها اشتبه في سيارة عابرة بأحد حواجز التفتيش لعدم توفر أوراقها الثبوتية، فاقتيدت السيارة بسائقها إلى مقر الجهة المسؤولة، لكن جاء بعض قيادات حركة “تمازج” وطالبوا بإطلاق سراح السيارة واحتدم الجدال مما نتج عنه عنف لفظي وسلوكي يقع تحت طائلة القانون. تولت الشرطة القبض على بعض من جاءوا إلى مقرها ونقلوا إلى القسم الشمالي، حيث جرت محاولة لإخراجهم بالقوة بحشد من عسكريي “تمازج” قوامه أكثر من 50 رجلاً.. وبعد تفاهمات أكملت إجراءات “الضمان” وخرج المحبوس فأطلق أحد جنود “تمازج” أعيرة نارية في الهواء لإشهار حالة النصر في انتزاع أحد منسوبيها من قبضة الشرطة.
هذه الحادثة ليست في الأقاصي البعيدة من المركز حيث أحياناً تحسم بالقوة و ليس القانون مثل هذه الخلافات، بل في قلب الخرطوم النابض وأحد أشهر أقسام شرطتها “الشمالي” الملاصق لرئاسة شرطة ولاية الخرطوم.
والعبرة في هذه الحادثة ليس في تفاصيلها ، أو من اعتدى على من؟ بل في كونها “حادثة” لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، تكررت بأشكال مختلفة من جهات مختلفة، وانتهت بسيناريو “التعادل” الذي يسمح بأن تتكرر مرة وعشرة وألف..
وليست المشكلة في أن تتكرر، بل في أن القانون سيصبح مجرد آلة لقمع المجبور الذي لا يملك سلاحاً أو مالاً أو سلطة سياسية.. (إنما أهلك من كان قبلكم، إنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد..)
الفكرة أن الدولة ليست مجرد حدود سياسية بل “حالة” إقرار واعتراف بقانون يسري على الجميع في حدودها، و كلما ارتفع مقام توقير القانون توفر الأمن والسلام والاستقرار، أما إذا أصبح القانون بمبدأ “على قدر بندقيتك مد رجليك” فستتحول الدولة إلى غابة، فيها الأسود الضارية والثعالب الانتهازية والذئاب العدوانية، لا تعيش فيها الأرانب إلا في الجحور..
الحمد لله إن هذه الحادث انتهت بسلام دون دماء، ففي بلادنا ما يكفي من شلالات الدم وتفيض، والأجدر بدلاً عن البحث عن مجرم أو متهم، البحث عن موقع القانون في قاع المدينة وإعادته الى مكانه الطبيعي فوق رقاب الجميع، لمصلحة الجميع.
المشكلة ليست في “تمازج” فهي تخوض مع الخائضين، لكنها في حالة بلد يعاني من غياب الدولة، دولة القانون، والمشكلة ليست في الشرطة فالشرطة هي جهاز إنفاذ القانون فأين القانون؟ بالله أنظروا معي في هذه الحالة، دولة تعطل فيها المحكمة الدستورية عمداً برفض التجديد لقضاتها أو استبدالهم، في ظل حكومة الثورة المدنية، ولا تشكل فيها مجلس القضاء العالي، ولا مجلس النيابة، وأكبر من ذلك كله المؤسسة التي تصنع القانون وتراقبه، المجلس التشريعي، هل تبقى من دولة القانون شيء؟
القانون ليس مجرد قسم شرطة وحراسات وأوامر قبض، هو منظومة متكاملة تنهار تماماً عندما يتعطل تنفيذ الأحكام في الآلاف لغياب المحكمة الدستورية وتعطل أعلى مستوى قضائي دستوري..
فليسافر أي مدني أو عسكري الى أية دولة مجاورة أو في محيطنا الأفريقي أو العربي، وليحمل في يده ورقة، مجرد ورقة ويرمي بها في وجه شرطي.. هنا سيظهر للقانون أنياب لا يستمدها من قوة بندقية الشرطة، بل من قوة القانون ودولة القانون..
فليذهب قائد حركة “تمازج” – على سبيل المثال بما أن الحديث هنا بمناسبة هذه الحادثة إلى الخليج و يوقف سيارته في مكان غير مخصص للوقوف.. ثم فلينظر كيف يعمل القانون، وكيف يفرض احترامه.
الشرطة جهاز إنفاذ القانون، فابحثوا عن القانون أولاً..