عثمان ميرغني يكتب.. الانقلاب على الانقلاب..

عثمان ميرغني يكتب.. الانقلاب على الانقلاب..

حتى صباح أمس الأحد لم يكن أحد يعلم نية الفريق أول محمد حمدان دقلو النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي و قائد قوات الدعم السريع توجيه خطاب عبر مؤتمر صحفي من مقر قيادة قوات الدعم السريع، مما يدلل على أن الخطوة جاءت عاجلة وفق تقديراته ومستشاريه.

خلاصة خطاب الفريق أول دقلو فيه قدر كبير من المسؤولية لم يحاول مجاراة “الترند” في الرد على قائد الجيش الفريق أول البرهان رغم أن كامل الخطاب هو محاولة للرد على قضية دمج الدعم السريع في الجيش، فأعاد تأكيد ما سبق له تكراره أنه موافق وملتزم بتوحيد المؤسسة العسكرية السودانية.

ولمزيد من الاقتراب من الجماهير أعلن دقلو ندمه على المشاركة في انقلاب 25 أكتوبر 2021، وللدهشة هنا اتفق مع قائد الجيش البرهان في تسميته بـ”الانقلاب” فالبرهان قال قبله بيوم واحد (أننا نفذنا الانقلاب لتعديل مسار الدولة.) وهي حالة نادرة أن يتحدث عسكريون علناً عن تحركهم العسكري لاستلام السلطة ولا يجدون حرجاً في تسمية ذلل بـ”الانقلاب”.

و رغم أن مجمل خطاب دقلو مكتوب بعناية وبلغة رجال دولة هادئة و مسؤولة إلا أن السؤال الحتمي هو ثم ماذا بعد هذا؟

فالجنرال “نادم على الانقلاب”، و”العملية السياسية استغرقت وقتاً أطول مما يجب ” كما قال في خطابه، ولكن ما الجديد؟ سبق لدقلو أن أكد ندمه على الانقلاب بالحيثات ذاتها أن الانقلاب أعاد الفلول إلى مواقع القوة والسيطرة، فما الجديد؟

هنا المحك، فأي خطاب سياسي لا يتجاوز النصوص إلى الواقع فهو مجرد بلاغة يمكن لأي سياسي أن يكتب مثلها، فالمطلوب الأثر الحقيقي على الأرض خاصة أن الخطاب حمل ندماً على وضع لا يزال قائماً.

طالما أن الجنرال دقلو نادم على الانقلاب، وطالما أنه يستبطيء العملية السياسية، التي لم تستطع إنهاء الانقلاب واستعادة الحكم المدني، فإن المنتظر أن تكون هناك خطوة تبرهن على عزم صادق لخروج المكون العسكري من السياسة والحكم، خاصة وأن ثمن الانقلاب الفادح يدفعه وفي كل يوم تشرق فيه الشمس الشعب السوداني من حر مال فقره المدقع وحاله النكد التي لم ينحدر لمثلها في تاريخه.

في تقديري كان الأوفق أن يعلن الفريق أول دقلو موعداً قاطعاً تخرج فيه المؤسسة العسكرية عن الحكم والسياسية ليصبح ذلك بطاقة ضغط على الجميع، المكونات السياسية بكل خلافاتها والمجتمع الدولي بل وأطراف المكون العسكري الأخرى، ويصبح للعملية السياسية صافرة نهاية و زمن محسوب بعده تنتهي المباراة..

صحيح قد لا يستطيع دقلو اتخاذ قرار نيابة عن قائد الجيش، لكنه يستطيع باسم الدعم السريع أن يعلن ذلك، بل ولمزيد من الجدية أن يعلن استقالته من مجلس السيادة أيضاً.

لكن ما معنى الندم على الانقلاب دون تحديد سقف زمني لإرجاع الحق لأهله، الحكم المدني للشعب السوداني؟ فالفريق أول البرهان سبق له ترداد هذه العبارة أنهم نامون على الانقلاب ويريدون الخروج من الحكم، لكن دون أن يتبع ذلك فعل على الأرض يعزز هذه الإرادة.

لو انتهى بيان الفريق أول دقلو -مثلاً- بعبارة (وعليه أعلن استقالتي من منصب النائب الأول لرئيس مجلس السيادة وانسحاب قوات الدعم السريع من الحكم والنشاط السياسي بنهاية هذا الشهر فبراير 2023) لوضع ذلك الجميع أمام المحك، حتى المدنيين، إلا إذا أعلنوا أنهم غير جاهزين لتولى الحكم!

لكني أفهم أن من كتب خطاب الفريق أول دقلو هو نفسه متردد في تحويل الندم على الانقلاب إلى انقلاب على الانقلاب.. وهو ما يطلق عليه سياسة (أكل الكيكة والاحتفاظ بها في الوقت ذاته).

مقالات ذات صلة