عثمان ميرغني يكتب .. أين أم السودان الحقيقية؟
عثمان ميرغني يكتب
أين أم السودان الحقيقية؟
قصة معروفة في الأدب العربي، أن خلافاً بين امْرَأَتَيْنِ حول نسبة طفل انتقل إلى قاضي المدينة، و ألقت كل منهما مرافعة تثبت أن الطفل هو من بطنها، القاضي أصدر حكمه بأن تتناصفا الطفل ، و أمر الحارس بأن يقطع الطفل نصفين لتأخذ كلاهما نصيبها منه، فما كان من الأم الحقيقية إلا أن بكت وتنازلت وقالت للقاضي هو ابنها فاتركه لها، وعندها أمر القاضي أن يكون الطفل من نصيبها فهي التي خافت عليه و تستحق أن تكون أمه الحقيقية.
هذه القصة أشبه بحال السودان اليوم، تتصارع القوى السياسية، ومن خلفها العسكرية عليه، وكل طرف يستخدم الخطاب الجماهيري الذي يثبت انه هو الأجدر بقيادة البلاد فهو الأكثر حرصا على مصالح الوطن. ولكن في الوقت ذاته يتحول هذا الصراع السياسي إلى سيفٍ يؤدي حتما لتقطيع البلاد ليأخذ كل طرف ما يريده منها.
الخطاب السياسي الذي تبثه القوى السياسية، انتقل إلى المكون العسكري، بل ومعه فيروس الخلافات والتلاسن وربما خطاب الكراهية .. وأصبح السودان الآن في موقف الطفل الذي روته القصة، بل وكأني أرى السيف فوقه يكاد يهوي عليه لينال كل فريق منه على قدر سلاحه وقوته.. وشره..
وهنا يصبح السؤال الحقيقي.. من هي الأم الحقيقية للسودان؟
الأم التي ستبكي وتطلب من القاضي أن يترك الطفل للمرأة الأخرى حتى لا يموت.. بل تقول له هو طفلها، وتنكر نسبها إليه حتى لا يكون هذا النسب سببا في هلاكه وفقدانه..
من يستحق أن يكون حريصا على السودان حرص تلك الأُم على طفلها؟
بالله تأملوا الساحة السياسية جيداً، من يهمه في المقام الأول المصلحة القومية أولا وعاشرا وأخيرا؟
ومن يهمه مصلحته أولاً وعاشراً وأخيراً حتى ولو تلبس خطابه بالشعارات والهتافات الممزوجة بعسل الأماني؟
من الواضح لا أحد يخشى على السودان بقدر خشيته على مصالحه.. ولو توفر ادنى احساس بالحرص على مصالح الوطن القومية لما استغرقت هذه الازمة السياسية كل هذا الوقت على حساب الشعب المقهُور الذي ترك البلاد وهاجر إلى كل الدنيا فرادى وجماعات تاركين الوطن بما يحمل من خيرات..
مطلوب البحث عن أم السودان الحقيقية.. التي لا تقبل أن يقطعه السيف حتى ولو تنازلت عن أٌمومته لغيرها..