عثمان ميرغني يكتب: بين الجنرال دقلو.. والنائب الأول دقلو..
عثمان ميرغني يكتب: بين الجنرال دقلو.. والنائب الأول دقلو..
الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش في تصريحات بمنطقة نهر عطبرة نقلتها عنها الوسائط الإعلامية قال أن الجيش لن يوافق على أن يتحول الاتفاق السياسي الإطاري إلى رافعة تحمل فئة سياسية واحدة لاحتكار السلطة.
في اليوم التالي؛ الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع أصدر بياناً أكد فيه دعمه للاتفاق الإطاري ليستكمل العملية السياسية ببلوغ الاتفاق النهائي وتكوين هياكل الحكم المدنية.
التصريحان في جوهرهما متفقان تماماً، وفي ظاهرهما يكشفان خلافاً عميقاً خطيراً ليس بين رئيس مجلس السيادة ونائبه الأول.. بل بين القائد العام للجيش وقائد قوات الدعم السريع وهو السيناريو الأسوأ الذي لايتمناه أحد، لو كان الخلاف بين رئيس السيادة ونائبه فخلافات المناصب السيادية والسياسة قابلة للحل بحوار الأفواه.. ولكن خلافات القوات العسكرية قد يكون حلها بأفواه البنادق ، لا قدر الله.
من واقع الحال الماثل الآن، يبدو أن محمد حمدان دقلو في مفترق الطرق بين العسكرية والسياسة، بين أن يكون الجنرال العسكري أو النائب الأول السياسي، ويبدو أنه يفضل الخيار الثاني بل يجتهد ليستوفي مؤهلاته ومطلوباته.
ومن مصلحة دقلو، ومصلحة السودان وشعبه أن ينجح في هذا الخيار، السياسي، بل يجب تشجيعه على ذلك بتوفير الضمانات أولاً، ثم الدفع به إلى المراقي السياسية العليا.
توفير ضمانات بديلة لضمانات البندقية، فمن يحمل البندقية لا يعتبرها مجرد أداة للقتل والحرب، بل للسلامة و الحياة.. والطالب الحربي في الكلية العسكرية لا يتعلم (القتل) بل يسميه (الانتصار في الحرب) وإن كان الطريق إلى ذلك يعني (القتل).
عندما يدعم الجنرال دقلو الاتفاق السياسي الإطاري ويستعجل بلوغه الاتفاق النهائي لتكوين حكومة مدنية، فلا يعني ذلك أنه اختار فصيلاً سياسياً ضد فصيل آخر، بل هو تأكيد على اختيار السياسة بديلاً للعسكرية.. فهل هناك خيار أفضل من ذلك؟
لكن..!! وما أفجع لواكن البلد الملكون دائماً..
بكل أسف الساسة الذين بيدهم القلم لكونهم اللاعبين في الملعب السياسي – من كل الأطراف- يتعاملون مع الأمر بمنتهى الانتهازية، يتعاملون مع تصريحات دقلو الإعلامية بـ(بيع التجزئة)، تصريح بتصريح، مع و ضد، بل أحياناً محاولة وضعه دائماً مكملاً للميزان السياسي لكفة في مقابل كفة.. فتكون النهاية أن يجد دقلو نفسه في ملتقى النيران، كفة تمدحه وأخرى تشتمه ثم تتبادل الكفتان المواقف.. ومثل هذا الوضع قد يجبره أن يختار رأي الشاعر أبي فراس الحمداني:
والسيف أصدق أنباء من الكتب.. في حده الحد بين الجد واللعب..
فتخسر البلاد أولاً.. ويخسر هو أيضاً ثانياً..و شتان بين الخسارتين.
دقلو؛ سياسياً حالياً قد يكون الأفضل في الساحة بقدرته على الاستبصار بخبرات الخبراء المستشارين، فهو الأكثر – في كل الطيف السياسي – استيعاباً للمستشارين، ثم قدراته على اتخاذ القرار (وللأسف هذا ما يفتقده غالبية الساسة في الملعب السوداني).. وفوق كل ذلك هو راغب وقادر على النجاح سياسياً.
من الحكمة أن يكون مقعد دقلو السياسي بديلاً مقنعاً بل محفزاً له عن مقعده العسكري.. وسينجح سياسياً أكثر من نجاحه العسكري.