عثمان ميرغني يكتب.. اليوم الوطني السوداني
عثمان ميرغني يكتب : اليوم الوطني السوداني
في صباح مثل هذا اليوم قبل 138 سنة، أي في 26 يناير 1885م، اقتحم الجيش السوداني بقيادة السيد الإمام محمد أحمد المهدي، حصون مدينة الخرطوم وأسقط أعتى إمبراطورية في ذلك الزمان، وأعلن تدشين دولة السودانية الحديثة.
لم يكن عملاً ثورياً لجماهير غاضبة تجتاح القصر الجمهوري، بل جيش حقيقي تكون من جميع القوميات السودانية، لم يتمايز فيه عرق على عرق، ولا قبيلة على قبيلة، وساروا على أرجلهم يقطعون المسافات من الجزيرة أبا إلى جنوب كردفان ثم شمال كردفان يخوضون المعارك وينتصرون فيها بالعزيمة والإصرار لا بالسلاح والتفوق العددي حتى انتزعوا دولتهم من فك وأنياب الأسد.
وبدأ تشكيل بنيان الدولة الجديدة بتحديد عاصمتها ووضع الأسس الإدارية والمالية وتطوير قوتها العسكرية الضاربة، ولكن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها النظام الحاكم أدى لضرب الوحدة الوطنية وإغراء كتشنر بالتوغل من الشمال ليس عسكرياً فحسب، بل عمرانياً إذ مد خطوط السكك الحديدية عبر الصحراء إلى أن وصل كرري على تخوم العاصمة أم درمان ليخوض معركة سهلة لم تكن بين قوة أجنبية وأخرى وطنية، بل كانت أقرب إلى “انقلاب عسكري” شارك فيه السودانيون أنفسهم الذين كانوا جزءاً من القوة العسكرية الغازية، وتولى الحكام الجدد إدارة البلاد دون أن يقدروا على نزعها من بناتها وأبنائها.
تولى الحكم الثنائي إدارة البلاد 58 سنة، انتهت بـ “اليوم نرفع راية استقلالنا” في صبح الأول من يناير 1956م، مجرَّد “فاصل ونواصل” في سيرة الدولة السودانية الحديثة التي أشرقت شمسها في صباح 26 يناير 1885م، أليس من العيب والعّار الوطني أن نخصم 71 سنة، من عمر الدولة السودانية وندعي أنها وُلدت في 1956؟
الدولة السودانية الحديثة عمرها الآن 138 سنة، هو عمقها الحقيقي وكل الذي فعله كتشنر في 1898م، هو مجرَّد انقلاب عسكري أطاح بالحكم واستولى عليه بالقوة لكنه لم ينتزع الدولة من أهلها. والآن حان الوقت لتصحيح التاريخ وإعادة 71 سنة، من عمر الدولة السودانية إليها فيصبح 26 يناير، من كل عام هو اليوم الوطني السوداني الذي تحتفل به الدولة و السفارات السودانية.
أما يوم “واحد واحد”، فيظل بعنوانه القديم “يوم الاستقلال” يُلقي فيه رأس الدولة خطاباً بلا طعم ولا رائحة ليلة رأس السنة وتكرر فيه الإذاعة حواديتها وأناشيدها المملة.
لماذا نسقط سهواً وغفلة وجهلاً 71 من عمر بلادنا الوطني؟