عبد الله مسار يكتب .. الدكتور جبريل في نيالا

عبد الله مسار يكتب: الدكتور جبريل في نيالا

الدكتور جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، وزير المالية في حكومة السودان بعد توقيع اتفاقية جوبا.

والدكتور جبريل هو رجل عالم وهادئ وقليل الحديث، ولكن حديثه معبر، زار في الأسبوع المنصرم ولاية جنوب دارفور بدعوة من واليها الأستاذ حامد هنون، واستقبل جبريل استقبالاً كبيراً ومنقطع النظير، خرجت لاستقباله جموع غفيرة من شعب جنوب دارفور بكافة قبائلهم وكياناتهم وتنظيماتهم، وكان لقاءً كبيراً لم تشهده ولاية جنوب دارفور قريباً، وكان لهذا الاستقبال وهذه الحشود معنى ودلالة يحتاج أن يقف المرء عندها ليقرأ الأمر قراءة جديدة ويتأمل، حيث كان حتى عهد قريب لا تخرج جماهير دارفور لأي زائر من أبنائها من شاغلي المواقع الدستورية، لأنها كانت مقسمة بفعل فاعل أو بعيب فيها إلى كيانات وقبائل. وشعوب تقاتل بعضها، وكل يتربّص بالآخر ويكيد له، وتفرقت دارفور إلى كيانات تقتتل فيما بينها، ولكن تأكد لي باب جديد قد فتح، وان أهل دارفور دبت وسطهم روح الوحدة، بعد أن عرفوا أن مصلحتهم في وحدتهم، وأن هذه التفرقة والانقسامات بمسميات كثيرة أضرت بهم منذ فجر الاستقلال حتى اليوم.

فهم كثرة بدون معنى (كالشيك بدون رصيد)، وبسبب هذا التشرذم قل وضعف دورهم في الحكم والسياسة والعطاء والتنمية والخدمات في السودان، فهم كثرة في العدد وقلة في العدة والعتاد، بل قلة في الزاد والرأي والمشاركة في القيادة الوطنية في السودان، بل عصا عز، ولكن يضربون بها بعضهم، ولكن يبدو أنّ وعياً دب في صفوف أهل دارفور جعلهم ينتبهون لأهمية التوحد ونبذ الفرقة والانقسام، وتناسوا، هؤلاء عرباً وزرقة، وهؤلاء قبائل كبيرة تتغوّل على القبائل الصغيرة، وكذلك صراعات الرعاة والمزارعين، وهذا الوعي وحّد أهل جنوب دارفور، لذلك خرجوا بهذا الحجم لمقابلة الأخ الدكتور جبريل.

ثانياً، تصرفات النخب في الخرطوم، وخاصة أصحاب مشروع الاتفاق الإطاري، الذين جعلوه ضيقاً لا يسع أهل السودان، وفصل على الذوات، وأبعد الأغلبية من أهل السودان، وخاصّةً الحركات المسلحة والقوى السياسية التي منبتها الهامش والريف، كان دافعاً لهذا التدافع.

ثالثاً، هو رسالة إلى أهل السودان أن السيطرة على السودان مالاً وحكماً وجاهاً وإرادةً من الخرطوم قد ولّت من غير رجعة، وأن (أم كدادة ما ذنبها) قد ذهب بغير رجعة.

رابعاً، إنّ دارفور قد تعافت من الأمراض السياسية المنقولة أو المحلية أو المصدرة أو الوافدة (حكم النجاضة)، التي تعتمد على التاريخ والإرث، وأبناء الذوات والجاه والمال، وإشارة الخارج أو مدعي الوطنية أو الذين يظنون أن الحكم يجب أن يذهب إلى أرباب السفارات والذين يحملون الجنسيات المزدوجة، والذين على رؤوسهم ريش.

خامساً، أهل جنوب دارفور ارسلوا رسالة وعي لأهل السودان أن من يريد الحكم الديمقراطي، عليه أن يعمل للانتخابات لا نهب الحكم عبر وثائق مضروبة. حكم الأقلية للأغلبية هو حكم ديكتاتوري ولو كان مدنياً، وكذلك رسالة للعسكر وللعالم الغربي، من يُريد الحكم الديمقراطي عليه بصندوق الانتخابات.

ورسالة للدول الغربية، وبصفة خاصة أمريكا وبريطانيا الدولتين الغربيتين اللتين تتمتّعان بالديمقراطية، وتريدان السودان أن يحكم بوريقة اسمها الاتفاق الإطاري أو النهائي دون إرادة الشعب السوداني بتفصيل مشروع استعماري غربي بدون إرادة شعبية ليأتي بحكام (قريعتي راحت) من وسط الخرطوم لينفذوا المشروع النيوليبرالي بحجة أنها الثورة. والثورة أصحابها في الشارع منتظرين المجهول، وهم براءٌ من هذا المشروع.

سادساً، الدكتور جبريل أرسل من نيالا أبلغ ثلاث رسائل أن الاتفاق الإطاري بشكله الحالي لن يقوم إلا على جثته، وقال ذلك رفيقه مني، وهذا لسان حال كل أهل السودان، والرسالة الثانية إلى الحرية والتغيير المركزي الموقعين على الاتفاق الإطاري، اخرجوا من الخرطوم الى بقاع السودان لتعرفوا وزنكم السياسي الحقيقي قبل الفأس تقع على الرأس، وثالثاً البرهان وحميدتي يسلّما السلطة للشعب عبر صناديق الانتخابات لا عبر وريقة فولكر. وهنالك رسالة رابعة لفولكر والرباعية، ارفعوا أيديكم من أمر السودان واتركوه لأهله، قبل أن يقول لكم الشعب السوداني مع السلامة!!
إنّ نيالا أرسلت عدة رسائل نعددها في المقال القادم.

شكراً لنيالا واهلها، وشكراً لرجال أعمالها الذين أكرموا الوزير وصحبه، وشكراً لوالي الولاية الذي أتاح للدكتور جبريل فرصة ليتحدث مع أهل الريف في نيالا البحير، ويقول لهم رأياً واضحاً وصريحاً في الاتفاق الإطاري، وشكراً لأهل جنوب دارفور، عرفوا القضية وتعاملوا معها، وفي نفس هذا الظرف كان الدكتور التجاني سيسي في زالنجي يحدث الحشود في ولاية وسط دارفور على ذات الموضوع بذات المنوال، وعند ذاك الدرب.

وغداً ستكون الزيارات إلى كل بقاع السودان ليعم الوعي.

يا أيها الموقعون على الإطاري المرفوض من أكثرية الشعب السوداني، أمامكم أمران، إمّا وفاق وطني أو الانتخابات.

مقالات ذات صلة